للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: قَالَ لي أَبُو أَيُّوب رَحمَه الله: إِنَّه كَانَ فِي أَيَّام الواثق، فِي تِلْكَ الْمُلَازمَة وَالْبَلَاء وَالضَّرْب وَلبس الصُّوف والقيد، وَإنَّهُ حمل إِلَى مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات ليناظره وَيَردهُ إِلَى محبسه.

فَوضع بَين يَدَيْهِ على تِلْكَ الْحَال، فَجعل يناظره، وَالْحسن بن وهب، كَاتبه حِينَئِذٍ، فَرُبمَا تكلم بِالْكَلِمَةِ يرققه بهَا عَلَيْهِ، وَرُبمَا أمسك، وَمُحَمّد دائب فِي الغلظة على أبي أَيُّوب، والتشفي مِنْهُ، إِذْ مر بعض الخدم بصبي يحملهُ، مزين، مخضوب، وَعَلِيهِ لبوس مثله من أَوْلَاد الْمُلُوك.

فَقَالَ مُحَمَّد للخادم: هاته، فقربه إِلَيْهِ، فَقبله، وترشفه، وضمه إِلَيْهِ، وَجعل يلاعبه، فحانت مِنْهُ التفاتة إِلَى أبي أَيُّوب، فَإِذا دمعته قد سبقته، وَهُوَ يمسحها بالجبة الصُّوف الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد: مَا الَّذِي أبكاك؟ فَقَالَ: خير، أصلحك الله.

فَقَالَ: وَالله، لَا تَبْرَح، أَو تُخبرنِي بِالْأَمر على حَقِيقَته.

فَلَمَّا رأى ذَلِك أَبُو عَليّ الْحسن بن وهب، قَالَ لَهُ: أَنا أصدقك، إِنَّه لما رأى عمر، متعك الله بِهِ، وَجَعَلنَا جَمِيعًا فدَاه، ذكر ابْنا لَهُ فِي مثل سنه.

قَالَ: وَمَا سمه؟ قَالَ: عبيد الله.

قَالَ: وَكَانَا ولدا فِي شهر وَاحِد.

فَالْتَفت إِلَيْهِ كالهازئ، فَقَالَ لَهُ: أتراه يقدر أَن يكون ابْنه هَذَا وزيرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>