للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا رأى فِيهِ الْأَمر بقتْله قَرَأَ الْكتاب بأسره، إِلَّا حَدِيث الْقَتْل، ورد الْكتاب عَلَيْهِ.

قَالَ ابْن أبي قبيصَة: ففكرت، وَقلت: أَنا مقتول، وَلَا آمن أَن يرد كتاب آخر فِي هَذَا الْمَعْنى، ويتفق حُضُور من يقْرَأ وَيكْتب غَيْرِي فَينفذ فِي الْأَمر، وسبيلي أَن أحتال بحيلة، فَإِن تمت سلمت، وَإِن لم تتمّ فَلَيْسَ يلحقني أَكثر من الْقَتْل الَّذِي أَنا حَاصِل فِيهِ.

قَالَ: فتأملت القلعة، فَإِذا فِيهَا مَوضِع يمكنني أَن أطرح نَفسِي مِنْهُ إِلَى أَسْفَلهَا، إِلَّا أَن بَينه وَبَين الأَرْض أَكثر من ثَلَاثَة آلَاف ذِرَاع، وَفِيه صَخْر لَا يجوز أَن يسلم مَعَه من يَقع عَلَيْهِ.

قَالَ: فَلم أجسر، ثمَّ ولد لي الْفِكر أَن تَأَمَّلت الثَّلج قد سقط عدَّة لَيَال، وَقد غطى تِلْكَ الصخور، وَصَارَ فَوْقهَا مِنْهُ أَمر عَظِيم، يجوز إِن سَقَطت عَلَيْهِ وَكَانَ فِي أَجلي تَأْخِير، أَن تنكسر يَدي أَو رجْلي وَأسلم، قَالَ: وَكنت مُقَيّدا، فَقُمْت لما نَام النَّاس، وطرحت نَفسِي من الْموضع، قَائِما على رجْلي، فحين حصلت فِي الْهَوَاء نَدِمت وَأَقْبَلت أسْتَغْفر الله، وأتشهد، وأغمضت عَيْني حَتَّى لَا أرى كَيفَ أَمُوت، وجمعت رجْلي بعض الْجمع؛ لِأَنِّي كنت سَمِعت قَدِيما أَن من اتّفق لَهُ أَن يسْقط قَائِما من مَكَان عَال، إِذا جمع رجلَيْهِ، ثمَّ أرسلهما إِذا بَقِي بَينه وَبَين الأَرْض ذِرَاع أَو أَكثر قَلِيلا فَإِنَّهُ يسلم، وتنكسر حِدة السقطة، وَيصير كَأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من سقط من ذراعين.

قَالَ: فَفعلت ذَلِك، فَلَمَّا سَقَطت إِلَى الأَرْض، ذهب عني أَمْرِي، وَزَالَ عَقْلِي، ثمَّ ثاب إِلَيّ عَقْلِي، فَلم أجد مَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يلحقني من ألم السقطة من ذَلِك الْمَكَان، فَأَقْبَلت أجس أعضائي شَيْئا شَيْئا، فأجدها سَالِمَة، وَقمت وَقَعَدت، وحركت يَدي ورجلي، فَوجدت ذَلِك سليما كُله، فحمدت الله تَعَالَى على هَذِه الْحَال.

<<  <  ج: ص:  >  >>