فَتبين لنا من فظاظته وغلظته، مَا أيقنا مَعَه بالهلكة، ثمَّ دَعَا بالحدادين، فَأمر بتقييد الْمُسلمين بأمثال مَا كَانَ يقيدهم بِهِ غَيره، فَلم يزل الْحَدِيد يعْمل فِي رجل وَاحِد وَاحِد، حَتَّى صال الْحداد إِلَيّ، فَنَظَرت إِلَى وَجه البطريق، فرأيته قد نظر إِلَيّ نظرا بِخِلَاف الْعين الَّتِي كَانَ ينظر بهَا إِلَى غَيْرِي، ثمَّ كلمني بِلِسَان عَرَبِيّ، فَسَأَلَنِي عَن اسْمِي ونسبي ومسكني، بِمثل مَا سَأَلَني عَنهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ، فصدقته عَمَّا سَأَلَني عَنهُ.
ثمَّ قَالَ لي: كَيفَ حفظك لكتابكم؟ فأعلمته أَنِّي حَافظ.
قَالَ: اقْرَأ آل عمرَان، فَقَرَأت مِنْهَا خمسين آيَة.
فَقَالَ: إِنَّك لقارئ فصيح، ثمَّ سَأَلَني عَن روايتي للشعر، فأعلمته أَنِّي راوية.
فاستنشدني لجَماعَة من الشُّعَرَاء، فَقَالَ: إِنَّك لحسن الرِّوَايَة.
ثمَّ قَالَ لخليفته: إِنِّي قد ومقت هَذَا الرجل، فَلَا تحدده.
ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ من الْإِنْصَاف أَن أسوءه فِي أَصْحَابه، ففك الْحَدِيد عَن جَمَاعَتهمْ، وَأحسن مثواهم، وَلَا تقصر فِي قراهم.
ثمَّ دَعَا صَاحب مطبخه، فَقَالَ لَهُ: لست أطْعم طَعَاما، مَا دَامَ هَذَا الْعَرَبِيّ عِنْدِي، إِلَّا مَعَه، فاحذر أَن تدخل مطبخي مَا لَا يحل للْمُسلمين أكله، وَأَن تجْعَل الْخمر فِي شَيْء من طبيخك، ثمَّ دَعَا بِمَائِدَتِهِ، واستدناني حَتَّى قعدت إِلَى جَانِبه.
فَقلت لَهُ: فدتك نَفسِي وبأبي أَنْت، وَأحب أَن تُخبرنِي من أَي الْعَرَب أَنْت؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute