فَضَحِك، وَقَالَ: لست أعرف لمسألتك جَوَابا؛ لِأَنِّي لست عَرَبيا فأجيبك على سؤالك.
فَقلت لَهُ: مَعَ هَذِه الفصاحة بِالْعَرَبِيَّةِ؟ فَقَالَ: إِن كَانَ الْعلم بِاللِّسَانِ ينْقل الْإِنْسَان من جنسه إِلَى جنس من حفظ لِسَانه، فَأَنت إِذا رومي، فَإِن فصاحتك بِلِسَان الرّوم لَيست بِدُونِ فصاحتي بِلِسَان الْعَرَب، فعلى قِيَاس قَوْلك يَنْبَغِي أَن تكون روميا، وأكون أَنا عَرَبيا.
فصدقت قَوْله، وأقمت عِنْده خمس عشرَة لَيْلَة، لم أكن مُنْذُ خلقت، فِي نعْمَة، أكبر مِنْهَا.
فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة سِتّ عشرَة، فَكرت أَن الشَّهْر قد مضى نصفه، وَأَن اللَّيَالِي تقربني من الِانْتِقَال إِلَى غَيره، فَبت مغموما.
وَصَارَ رَسُوله إِلَيّ فِي الْيَوْم السَّادِس عشر، يدعوني إِلَى طَعَامه، فَلَمَّا حضر الطَّعَام بَين أَيْدِينَا، رأى أكلي مقصرا عَمَّا كَانَ يعْهَد، فَضَحِك، ثمَّ قَالَ لي: أحسبك يَا عَرَبِيّ، لما مضى نصف الشَّهْر، فَكرت فِي أَن الْأَيَّام تقربك من الِانْتِقَال عني إِلَى غَيْرِي مِمَّن لَا يعاملك بِمثل معاملتي، وَلَا يكون عيشك مَعَه مثل عيشك معي، فسهرت، واعتراك لذَلِك غم غير طَعَامك، فأعلمته أَنه قد صدق.
فَقَالَ: مَا أَنا إِن لم أحسن الِاخْتِيَار لصديقي بَحر، وَقد أمنك الله مِمَّا حذرت، وَلم ألبث فِي الْيَوْم الَّذِي وصلت إِلَيّ فِيهِ، حَتَّى سَأَلت الْملك، فصيرك عِنْدِي، مَا كنت فِي أَرض الرّوم، فلست تنقل عَن يَدي، وَلَا تخرج مِنْهَا إِلَّا إِلَى بلدك، وَأَرْجُو أَن يسبب الله ذَلِك على يَدي، فطابت نَفسِي، وَلم أزل مُقيما عِنْده، إِلَى أَن انْقَضى الشَّهْر.
فَلَمَّا انْقَضى ضرب بِالْقداحِ، فَخرج الأول، وَالثَّانِي، وَالثَّالِث، لبطارقة غير الَّذِي نَحن عِنْده، فحول أَصْحَابِي، وَبقيت وحدي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute