للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقلناك، فلسنا نُزَوِّجك، وَلَا تستقيم لنا على خلاف سنتنا، فأحوجتني الصبابة بهَا، أَن قلت: قد رضيت بِهَذِهِ السّنة.

فَأمر بتجهيزها وتسليمها إِلَيّ، وَجمع بَيْننَا، فأقمت مَعهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، لَا نرى إِلَّا أَنا قد فزنا بِملك الدُّنْيَا.

ثمَّ اعتلت عِلّة كَانَت مَعهَا غشية، لم يشك كل من رَآهَا إِلَّا أَنَّهَا قبضت، فجهزت بأفخر ثِيَابهَا، وجهزت مَعهَا بِمثل ذَلِك، وحملنا على نعش وَاحِد، وَركب الْملك، وَأهل المملكة، فشيعونا حَتَّى وافوا بِنَا شَفير الْبِئْر، ثمَّ شدوا أسافل السرير بالحبال، وَجعلُوا مَعنا فِي النعش طَعَاما وَشَرَابًا لثَلَاثَة أَيَّام، ثمَّ حطونا حَتَّى صرنا إِلَى قرارة الْبِئْر.

ثمَّ أرخيت علينا الحبال، فَسقط حَبل مِنْهَا على وَجه الْجَارِيَة، فأزال الوجع مَا كَانَ بهَا من الغشي، فانتبهت، فَلَمَّا انْتَبَهت، رَأَيْت أَن الدُّنْيَا قد جمعت لي.

واستمرت عَيْني على الظلمَة، فَرَأَيْت فِي الْموضع الَّذِي أَنا فِيهِ، من الْخبز الْيَابِس وَالْخمر مَاله دهر كثير، فأخذنا نتغذى بِهِ جَمِيعًا.

وَكُنَّا لَا نعدم فِي يَوْم من الْأَيَّام، إِلَّا النَّادِر، سريرا يدلى فِيهِ زوجان، أَحدهمَا ميت، وَالْآخر حَيّ، فَإِن كَانَ النَّازِل رجلا حَيا، توليت أَنا قَتله، لِئَلَّا يكون مَعَ زَوْجَتي غَيْرِي، وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْحَيَّة امْرَأَة، تولت زَوْجَتي قَتلهَا، لِئَلَّا يكون مَعَ زَوجهَا غَيرهَا.

فَمَكثْنَا فِي الْبِئْر على هَذِه الْحَال أَكثر من سنة، ثمَّ دُلي فِي الْبِئْر دلو، فَعلمت أَن مدلي الدَّلْو غير برجاني، وَأَنه لَا يدْخل ذَلِك الْموضع غير برجاني، إِلَّا رومي، وَوَقع لي أَن أقدم الْجَارِيَة قبلي، لتتخلص، ثمَّ تعرفهم حَالي، فيردوا الدَّلْو إِلَيّ، فأصعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>