فَحملت بنت الْملك فجعلتها فِي الدَّلْو بكسوتها، وحليها، وجواهرها، واجتذب الْقَوْم الدَّلْو، فَخرجت إِلَيْهِم الْجَارِيَة.
فَإِذا الْقَوْم مماليك لأبي، وَلم ينتبهوا للسؤال عني، وهابتهم الْجَارِيَة، أَن تَقول لَهُم شَيْئا، وَقد كَانُوا رَأَوْا مَا فِيهِ أُمِّي وَأبي وَمَا غلب عَلَيْهِمَا من الْحزن لفقدي، فصاروا إِلَيْهِمَا بالجارية ليتسلون بهَا، فسرا بهَا، وسكنا إِلَيْهَا.
واستمرت الهيبة لَهما بالجارية، فحصلت شَرّ مُحَصل.
وَقد كَانَ لوالدي صديق، لَهُ أدب وَحِكْمَة، وَعلم بالتصوير، صور لَهما صُورَتي فِي خَشَبَة، وزوقها، وَجعلهَا فِي بَيت، وَقَالَ لأبوي: إِذا ذكرتما ابنكما، وَاشْتَدَّ غمكما، فادخلا فانظرا إِلَى هَذِه الصُّورَة، فأنكما ستبكيان بكاء كثيرا يعقبكما سلوة.
فَلَمَّا صَارَت الْجَارِيَة إِلَى أَبَوي، ورأتهما يدخلَانِ ذَلِك الْبَيْت كثيرا، ويخرجان، وَقد بكيا، استوقفتهما يَوْمًا، وهما داخلان، فبصرت بالصورة، فَلَمَّا رأتها لطمت وَجههَا، ونتفت شعرهَا، ومزقت ثِيَابهَا.
فَسَأَلَاهَا عَن السَّبَب فِيمَا صنعت بِنَفسِهَا، فَقَالَت: هَذِه صُورَة زَوجي، فَسَأَلَاهَا عَن اسْمه، وَاسم أَبِيه وَأمه، فأسمتهم جَمِيعًا.
فَقَالَا لَهَا: فَأَيْنَ زَوجك؟ قَالَت: فِي الْبِئْر الَّتِي أخرجت مِنْهَا، فَركب أبي وَأمي فِي أَكثر أهل الْبَلَد، وَمَعَهُمْ الغلمان الَّذين أخرجُوا الْجَارِيَة من الْبِئْر، حَتَّى وافوا الْبِئْر، فدلوا الدَّلْو، وَكنت قد سللت سَيفي الَّذِي كَانَ أنزل معي من غمده، وَجعلت ذبابه بَين ثديي لأتكئ عَلَيْهِ، فَأخْرجهُ من ظَهْري، فَأَسْتَرِيح من الدُّنْيَا، لغَلَبَة الْغم عَليّ، فَوَثَبت، فَقَعَدت فِي الدَّلْو، واجتذبوني حَتَّى خرجت،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute