فَوجدت أبي، وَأمي، وامرأتي، على شَفير الْبِئْر، وَقد أحضروا لي الدَّوَابّ لأركب وأنصرف إِلَى بلادي، وَكَانَ أبي قد صَار ملك تِلْكَ الْبِلَاد، فَلم أطعهما، وأعلمتهما أَن الأصوب الْبعْثَة إِلَى أبي الْجَارِيَة، وَأمّهَا، حَتَّى يريَا ابنتهما مِثْلَمَا رأيتماني.
ففعلا ذَلِك، ووجها إِلَى أبي الْجَارِيَة، وَهُوَ صَاحب البرجان، فَخرج فِي أهل مَمْلَكَته، حَتَّى عاينها، وَأَقَامُوا عرسا جَدِيدا، وَحدثت مهادنة بَين الرّوم والبرجان جرت فِيهَا أَيْمَان مُؤَكدَة أَن لَا يعدو أَحدهمَا على صَاحبه ثَلَاثِينَ سنة، وَصَارَ الْقَوْم إِلَى بِلَادهمْ، وصرنا إِلَى مَنَازلنَا.
قَالَ: وَمَات أبي، فورثت البطرقة عَنهُ، وَرزقت من بنت ملك البرجان الْوَلَد، وَأَنت يَا عَرَبِيّ، فَإِن كَانَ الْغم قد بلغ مِنْك إِلَى مَا ذكرت فقد جَاءَك الْفرج.
فَمَا انْقَضى كَلَام البطريق، حَتَّى دخل عَلَيْهِ رَسُول ملك الرّوم يَدعُوهُ، فَمضى إِلَيْهِ، ثمَّ عَاد إِلَيّ، فَقَالَ: يَا عَرَبِيّ، قد جَاءَك الْفرج، كنت عِنْد الْملك، وَقد جرى ذكر الْعَرَب، ورمتهم البطارقة عَن قَوس وَاحِدَة، فَذكرُوا أَنهم لَا عقول لَهُم وَلَا آدَاب، وَأَن قهرهم الرّوم بالغلبة والاتفاق، وَلَا بِحسن التَّدْبِير.