فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ادْع الله لي.
فَقَالَ: إِن هَذَا الْأَمر صائر إِلَيْك، فاعتضد بِاللَّه، واحفظني فِي وَلَدي، فانتبهت، وَكَأَنِّي أسمع كَلَامه لسرعة الْمَنَام.
فوثقت بأنني أتقلد الْخلَافَة، وقويت نَفسِي، وَزَالَ خوفي، فَقلت لغلام لم يكن معي فِي الْحَبْس غَيره: إِذا أَصْبَحْنَا فَامْضِ فابتع لي خَاتمًا، وانقش على فصه أَحْمد المعتضد بِاللَّه، وجئني بِهِ.
فَمضى، وَفعل، وأتاني بِهِ، فلبسته، وَقلت: إِذا وليت الْخلَافَة جعلت لقبي المعتضد بِاللَّه.
ثمَّ أخذت أقطع ضيق صَدْرِي فِي الْحَبْس، بتصفح أَحْوَال الدُّنْيَا، والفكر فِي تَدْبِير عمَارَة الخراب مِنْهَا، وَوجه فتح المنغلق، وَتَعْيِين الْعمَّال للنواحي، والأمراء فِي الْبِلَاد.
ثمَّ أخذت رقْعَة، فَكتبت، بدر: الْحَاجِب، عبيد الله بن سُلَيْمَان: الْوَزير، فلَان: أَمِير الْبَلَد الْفُلَانِيّ، فلَان: عَامل الْبَلَد الْفُلَانِيّ، فلَان: للديوان الْفُلَانِيّ، إِلَى أَن أتيت على مَا فِي نَفسِي من ذَلِك، ثمَّ دفعتها للغلام، وَقلت لَهُ: احتفظ بِهَذِهِ، فَإِن دمي ودمك مرتهنان بِمَا فِيهَا، فحفظها.
فَمَا مضى إِلَّا أَيَّام يسيرَة، حَتَّى لحقت الْمُوفق غشية، لم يشك الغلمان مَعهَا أَنه قد مَاتَ، فأخرجوني، فَأتوا بِي إِلَى بَيت فِيهِ الْمُوفق، فَلَمَّا رَأَيْته علمت أَنه غير ميت، فَجَلَست عِنْده، وَأخذت يَده أقبلها وأترشفها، فأفاق، فَلَمَّا رَآنِي أفعل ذَلِك، أظهر التقبل لي، وَأَوْمَأَ إِلَى الغلمان، أَن قد أَحْسَنْتُم فِيمَا فَعلْتُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute