فَمَا بَقِي كَبِير أحد بِدِمَشْق، إِلَّا وَردت عَلَيْهِ مُصِيبَة عَظِيمَة، إِمَّا بذهاب مَال، أَو بغم على صديق، غَيْرِي، فَإِنِّي لم يكن لي شَيْء من ذَلِك يتَعَلَّق قلبِي بِهِ، واتعد النَّاس لِلْخُرُوجِ، لتلقي المنقطعين، وَإِصْلَاح أَحْوَالهم، وَلم أعزم أَنا.
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْل، رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم، وَهُوَ يَقُول لي: أدْرك أَبَا مُحَمَّد الْأَزْرَق الْأَنْبَارِي، وأغثه، وَأصْلح شَأْنه بِمَا يبلغهُ مقْصده، فَلَمَّا أَصبَحت، خرجت مَعَ النَّاس، فَسَأَلت عَنْك، فَكَانَ مَا رَأَيْت، والآن اذكر مَا تريده.
فَبَكَيْت بكاء شَدِيدا، لم أقدر مَعَه على خطابه مُدَّة، ثمَّ نظرت إِلَى مَا يبلغنِي مصر، فطلبته مِنْهُ، فَأَخَذته، وأصلحت أَمْرِي، وَسَأَلت الرجل عَن اسْمه، فَقَالَ: أَنا فلَان بن فلَان الصَّابُونِي، ذكره أَبُو مُحَمَّد، وأنسيه أَبُو الْحسن.
قَالَ: فَلَمَّا بلغت إِلَى مصر، حدثت أخي بِالْحَدِيثِ، فَعجب مِنْهُ، وَبكى.
قَالَ أَبُو الْحسن: وَضرب الدَّهْر ضربه، وَورد أَبُو يَعْقُوب أخي إِلَى بَغْدَاد بعد سِنِين، فتذاكرنا هَذَا الحَدِيث.
فَقَالَ أخي: لما عرفني أخي أَبُو مُحَمَّد، مَا عَامله بِهِ ابْن الصَّابُونِي الدِّمَشْقِي هَذَا، جعلته صديقا لي، فَكنت أكاتبه.
فَلَمَّا وَردت إِلَى دمشق، وجدت حَاله قد اختلت، لمحن لحقته، فَوهبت لَهُ ضيعتي بِدِمَشْق، وَكَانَت جليلة الْغلَّة وَالْقيمَة، فسلمتها إِلَيْهِ، مُكَافَأَة لما عَامل بِهِ أَبَا مُحَمَّد أخي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute