إصطبله على كراعه، فَكنت هُنَاكَ من حَيْثُ لَا يعرف وَجْهي جيدا، وَلَا أقدم على الْوُقُوف بَين يَدَيْهِ.
فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام أحضرني، فَقَالَ: وَيحك من أَيْن يعرفك الْأَمِير؟ يَعْنِي: أَحْمد بن طولون.
فَقلت: وَالله، مَا رَآنِي قطّ، وَلَا وَقعت عينه عَليّ إِلَّا فِي الطَّرِيق، وَلَا محلي مَحل من يتَصَدَّى للقائه.
فَقَالَ: دَعَاني السَّاعَة، وَهُوَ فِي قبَّة الْهَوَاء، فَقَالَ: مَعَك رجل أشقر أشهل، يُقَال لَهُ: مُحَمَّد بن سُلَيْمَان.
فَقلت: مَا أعرفهُ.
فَقَالَ: بل هُوَ فِي جنبتك، فَأَبْعَده عَنْك، فَإِنِّي رَأَيْته البارحة وَفِي يَده مكنسة يكنس دَاري بهَا، فتوق وَيحك، وَلَا تتعرف إِلَى أحد من حَاشِيَته، وأقرني على أَمْرِي، فامتثلت أمره.
وَمَضَت لهَذَا الحَدِيث شهور، ثمَّ دَعَاني ثَانِيَة، فَقَالَ: وَيحك، مَاذَا بليت بِهِ مِنْك، وبليت أَنْت بِهِ من هَذَا الْأَمِير؟ دَعَاني بعدة من أَصْحَاب الرسائل، فوافيته وَأَنا فِي غَايَة الوجل، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمرتك بِصَرْف مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَزْرَق الْأَشْقَر؟ فَقلت: قد عرفتك يَا سَيِّدي أَنِّي مَا استخدمت من هَذِه سَبيله، وَلَا وَقعت لي عَلَيْهِ عين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute