فَكَانَ الْفضل بن سهل بَين يَدي، فَأمر بإغلاق الْأَبْوَاب، وَقَالَ لي: قُم فاصعد إِلَى الْمجْلس الَّذِي يستشرف فِيهِ، إشفاقا عَليّ من دُخُولهمْ، وَسُرْعَة أَخذهم إيَّايَ، وتعليلا لي بالصعود.
فَقلت: الْقَوْم يدْخلُونَ السَّاعَة، فيأخذوني، فَلِأَن أكون بموضعي، أصلح.
فَقَالَ لي: يَا سَيِّدي اصْعَدْ، فوَاللَّه، مَا تنزل إِلَّا خَليفَة.
فَجعلت أهزأ بِهِ، وأعجب مِنْهُ، وأحسب أَنه إِنَّمَا قَالَ مَا قَالَ، ليسمعني.
وأركنت للهرب من بعض أَبْوَاب الدَّار، فَلم يكن إِلَى ذَلِك سَبِيل، لإحاطة الْقَوْم بِالدَّار والأبواب كلهَا.
فالح عَليّ أَن أصعد، فَصَعدت وَأَنا وَجل، فَجَلَست فِي المستشرف، وَأَنا أرى الْعَسْكَر.
فَلَمَّا علمُوا بصعودي اشْتَدَّ كلبهم، وشتمهم، وضجيجهم، وبادروني بالوعيد والشتم، فأغلظت على الْفضل بن سهل وَقلت لَهُ: أَنْت جَاهِل، غررتني، وَلم تدعني أعمل برأيي، وَلَيْسَ الْعجب إِلَّا مِمَّن قبل مِنْك، وَهُوَ فِي هَذَا كُله، يحلف أنني لَا أنزل إِلَّا خَليفَة، وغيظي عَلَيْهِ، وتعجبي من حمقه، ومواصلة الْأَيْمَان أنني لَا أنزل إِلَّا خَليفَة، مَعَ مَا أشاهده، وَالْحَال يزِيد، أَشد عَليّ مِمَّا أقاسيه من الْجند.
ثمَّ وضع الْقَوْم النَّار فِي شوك جَمَعُوهُ، وأدنوه من الدَّار، ونقبوا فِي سورها عدَّة نقوب، وثلموا مِنْهُ قِطْعَة، فَذَهَبت نَفسِي خوفًا وجزعا، وَعلمت أَنِّي بَين أَن أحترق، وَبَين أَن يصلوا إِلَيّ فيقتلوني، فهممت بِأَن ألقِي نَفسِي إِلَيْهِم، وقدرت أَنهم إِذا رأوني اسْتَحْيوا مني، وأقصروا.
وَجعل الْفضل بن سهل يقبل يَدي ورجلي، ويناشدني أَن لَا أفعل، وَيحلف لي أَنِّي لَا أنزل إِلَّا خَليفَة، وَفِي يَده الإسطرلاب، ينظر فِيهِ فِي الْوَقْت بعد الْوَقْت.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute