وَقَالَ: أَحْسَنت يَا أَبَا صَدَقَة.
فَلَمَّا سَمِعت مَا خصني بِهِ من استحسانه، قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن لهَذَا الصَّوْت حَدِيثا عجيبا، أَفلا أحَدثك بِهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَعَلَّه يزْدَاد حسنا.
فَقَالَ: بلَى، هَات.
فَقلت: كنت يَا سَيِّدي، عبدا لبَعض آل الزبير، وَكنت خياطا مجيدا، أخيط الْقَمِيص بِدِرْهَمَيْنِ، والسراويل بدرهم، وأؤدي ضريبتي إِلَى سَيِّدي فِي كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ، وآخذ مَا فضل عَن ذَلِك، فَبَيْنَمَا أَنا ذَات يَوْم منصرفا، وَقد خطت قَمِيصًا لبَعض الطالبيين، وَقد أخذت مِنْهُ دِرْهَمَيْنِ، وانصرفت إِلَى مَوضِع يجْتَمع فِيهِ المغنون، كنت أقصده إِذا فرغت من شغلي، لشغفي بِالْغنَاءِ، فَلَمَّا صرت بحذاء بركَة الْمهْدي، إِذا أَنا بسوداء على رقبَتهَا جرة، تُرِيدُ أَن تملأها من مَاء العقيق، وَهِي تغني بِهَذَا الصَّوْت، أحسن غناء يكون، فَأَصَابَنِي من الطَّرب بغنائها مَا أذهلني عَن كل شَيْء.
فَقلت لَهَا: فدَاك أبي وَأمي، ألقِي عَليّ هَذَا الصَّوْت.
فَقَالَت: استحسنته؟ فَقلت: إِي وَالله.
فَقَالَت: وَحقّ الْقَبْر وَمن فِيهِ، لَا أعدته إِلَّا بِدِرْهَمَيْنِ.
فَدفعت الدرهمين إِلَيْهَا، فأحدرت جرتها عَن رقبَتهَا فارغة، فَوَضَعتهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute