على الأَرْض، وَجَلَست عَلَيْهَا، وَكَأَنِّي أنظر إِلَى فقحتها وَقد برزت عَن الجرة نَحْو ذِرَاع، وَأَقْبَلت تلقيه عَليّ، وتوقع على الجرة، حَتَّى أَخَذته، ثمَّ أخذت الجرة على رقبَتهَا، وانصرفت.
فحين انصرفت، أنسيت الصَّوْت ولحنه، حَتَّى كَأَنِّي لم أسمعهُ قطّ، فَبَقيت متحيرا لَا أَدْرِي مَا أصنع، وانصرفت إِلَى سَيِّدي بأسوء حَال، وأكسف بَال.
فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: هَات ضريبتك.
فلجلجت فِي كَلَامي، وَقلت: يَا سَيِّدي، اسْمَع حَدِيثي.
فَقَالَ: يَا ابْن اللخناء، أبي تتعرض؟ فبطحني، وضربني مائَة مقرعة، وَحلق رَأْسِي ولحيتي، وَمَنَعَنِي قوتي، وَكَانَ أَرْبَعَة أرغفة، فَلم يكن شَيْء من ذَلِك، أَشد عَليّ، من ذهَاب الصَّوْت مني، وَبت لَيْلَتي أسوء خلق الله حَالا، وَأَنا لَا أعرف الْجَارِيَة، وَلَا موضعهَا وَلَا لمن هِيَ.
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، خرجت وَلها أطلبها فِي الْموضع الَّذِي لقيتها فِيهِ، وأسأل الله أَن يحوج أَهلهَا إِلَى المَاء، حَتَّى تخرج لتأتيهم بِهِ، فأراها، فَلم أزل أطلبها، لَا أعمل شَيْئا إِلَى الْعَصْر.
فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِك، وَإِذا بهَا قد أَقبلت، فَلَمَّا رأتني، وَمَا بِي من الوله، قَالَت لي: مَالك، أنسيت الصَّوْت؟ فَقلت: إِي وَالله، وَضربت مائَة مقرعة، ومنعت قوتي لَيْلَتي، وحلقت رَأْسِي ولحيتي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute