للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْن مَعْرُوف: فَقُمْت قَائِما، وَقلت: أَيهَا الْأَمِير، مَا سمع بِهَذَا الْفِعْل عَن أحد من أهل الأَرْض قَدِيما، وَلَا حَدِيثا.

فَقَالَ: دَعْنِي من هَذَا، مَا معنى قَوْلك لِابْنِ شهرام: لَا تورد عَلَيْهِ هَذَا كُله مَعَ الْيَأْس، فَتَنْشَق مرارته؟ فَقلت: نعم، كنت مُنْذُ سَاعَة عِنْد أبي مُحَمَّد الصلحي وَأبي الْحسن المغربي، فَجرى كَذَا وَكَذَا، وقصصت عَلَيْهِ قصَّة الضَّرِير مَعَهُمَا، وَأَنه انْصَرف أخزى منصرف، ثمَّ جَاءَ بعد الْيَأْس، فعاملته بِهَذَا الْفِعْل الْعَظِيم.

فَقَالَ: أحضروا الصلحي والمغربي، فأحضرا.

فَقَالَ لَهما: ويحكما، ألم أحسن إلَيْكُمَا؟ وأنوه باسمكما؟ وَأَرْفَع مِنْكُمَا؟ ، وأصطنعكما؟ وَعدد أياديه عَلَيْهِمَا.

فَقَالَا: بلَى، وأخذا يشكرانه.

فَقَالَ: مَا أُرِيد هَذَا، أَفَمَن حَقي عَلَيْكُمَا، أَن تقطعا عني رَجَاء مؤملي وقاصدي، وتنسباني عِنْدهم إِلَى الضجر برقاعهم؟ مَا كَانَ عَلَيْكُمَا لَو أخذتما رقْعَة الضَّرِير، فأوصلتماها إِلَيّ؟ فَإِن جرى على يَدي شَيْء؛ كنتما شريكاي فِيهِ، وَإِن ضجرت؛ كَانَ الضجر مَنْسُوبا إِلَيّ دونكما، وكنتما بريئين مِنْهُ، وَقد قضيتما حق قَصده، فَلَا حَقه قضيتما، وَلَا حق الله فِيمَا أَخذه على ذَوي الجاه، وأسرف فِي توبيخهما، كَأَنَّهُمَا قد أذنبا ذَنبا.

فَجعلَا يعتذران إِلَيْهِ، ويقولان: مَا أردنَا إِلَّا التَّخْفِيف عَنهُ من قِرَاءَة شَيْء طَوِيل؛ لينقلها إِلَى أخف مِنْهَا، وَلَو علمنَا أَنه أيس؛ لأخذنا رقعته وعرضناها.

فدعَتْ الْجَمَاعَة لَهُ، وَحلفت أَن هَذَا التأنيب فِي الْجُود أحسن من الْجُود، ورفقوا بِهِ حَتَّى انبسط فِي الحَدِيث.

<<  <  ج: ص:  >  >>