فَضَاقَ صَدْرِي، وقلبت الشطرنج، وَقلت: قد سَالَ السَّيْل، وهلكنا وَأَنت غافل، اقْرَأ هَذَا الْكتاب، فقرأه، فطالبته أَن يكْتب خطه، تَحت كل فصل مِنْهُ، بحجته.
فَضَحِك، وَقَالَ: وَيحك، أما تَسْتَحي، تخْدم رجلا طول هَذِه الْمدَّة، وَلَا تعرف أخلاقه، وَلَا مذْهبه؟ فَقلت: يَا هَذَا، أَخْبرنِي عَنْك، إِن أقدمت على جحد مَا فِي هَذَا الْكتاب، لتعذر حجَّة؛ مَا شاركتك فِيهِ، أما أَنا فوَاللَّه مَا أجحد، وَلَكِن أَصْبِر لأمر الله، تَعَالَى.
قَالَ: فتحب أَن أطلعك على مَا هُوَ أَشد عَلَيْك من هَذَا؟ قلت: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: كتاب دَفعه إِلَيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ مُنْذُ سنة، وَأَمرَنِي فِيهِ بِمثل مَا أَمرك فِي هَذَا، فَعرفت ضيق صدرك، فَلم أذكرهُ لَك.
فكدت أَمُوت إِلَى أَن أفرغ من كَلَامه، فَقلت لَهُ: أَرِنِي إِيَّاه، فَأحْضرهُ، وقرأته، وَأَنا أنتفض، وَعَمْرو يضْحك.
فَلَمَّا فرغت مِنْهُ؛ قلت: عِنْد الله أحتسب نَفسِي ونعمتي.
فَقَالَ: أَنْت، وَالله، مَجْنُون.
فَقلت: دَعْنَا من هَذَا، وَوَقع تَحت كل فصل.
فَنظر إِلَى جملَة مَا نسب إِلَيْهِ فِي الْكتاب، فَوَجَدَهُ أَرْبَعِينَ ألف ألف دِرْهَم، فَوَقع فِي آخِره: لَو قصرت همتنا فِي هَذَا الْقدر وأضعافه؛ لوسعتنا مَنَازلنَا، وَمَا يَفِي هَذَا، بدلجة فِي برد، أَو رَوْحَة فِي حر، وَأَرْجُو أَن يُطِيل الله بَقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ، ويبلغنا فِيهِ مَا نؤمله بِهِ، وعَلى يَده.
وَكَانَ جملَة مَا رفع عَليّ، سَبْعَة وَعِشْرُونَ ألف ألف دِرْهَم.
فَقَالَ: يَا هَذَا، إِن صاحبنا لَيْسَ ببخيل، وَلكنه رجل يكره أَن يطوى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute