للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معروفه، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يعلمنَا أَنه قد علم بِمَا صَار إِلَيْنَا، فَأمْسك عَنهُ على علم.

ثمَّ ختم الْكتاب بِخَاتمِهِ وخاتمي، وانصرفت وَأَنا فِي الْمَوْت، فَلم ألبث أَن كتبت وصيتي، وأحكمت أَمْرِي، وَكنت سنة مغموما، وذاب جسمي.

فَقَالَ لي الْمَأْمُون يَوْمًا: يَا أَبَا عباد، قد أنْكرت حالك، أتشكو عِلّة؟ فَقلت: لَا، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَلَكِنِّي، مُنْذُ سنة، حَيّ كميت؛ لأجل الْكتاب الَّذِي دَفعه إِلَيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ لأناظر عَلَيْهِ عَمْرو بن مسْعدَة.

فَقَالَ: أمسك عني، حَتَّى أُعِيد عَلَيْك جَمِيع مَا جرى بَيْنكُمَا، فَحَدثني بِجَمِيعِ مَا دَار بَيْننَا، كَأَنَّهُ كَانَ ثالثنا.

فَقلت: لقد استقصى لَك الَّذِي وكلته بخبرنا، وَالله، مَا خرم مِنْهُ حرفا.

فَقَالَ: وَالله، مَا وكلت بكما أحدا، وَلَكِن ظنا ظننته، وَعلمت أَنه لَا يَدُور بَيْنكُمَا غَيره، وَلَقَد عجبت من غير عجب؛ لِأَن عقول الرِّجَال يدْرك بَعْضهَا بَعْضًا، وَهَذَا عَمْرو بن مسْعدَة، أعرف بِنَا مِنْك، وأوسع صَدرا، وَأبْعد همة، وَمَا أردْت بِمَا فعلت، إِلَّا أَن تعلما أَنِّي قد عرفت مَا صَار إلَيْكُمَا، وتستكثرانه، فَأَحْبَبْت أَن أزيل عنكما غم المساترة، وَثقل المراقبة، وَأَنِّي لمتذمم لَكمَا، خجل من ضعف أثري عَلَيْكُمَا.

فسررت، وصرت كَأَنِّي أطلقت من عقال، فشكرته ودعوت لَهُ.

ثمَّ قلت: مَا أصنع بذلك الْكتاب؟ قَالَ: خرقه إِلَى لعنة الله، وامض مصاحبا، آمنا، فِي ستر الله، عز وَجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>