فَقُمْت، فَجئْت إِلَى البدرة، فجعلتها فِي الكساء الَّذِي كَانَ عَليّ، وَخرجت أسعى سعيا شَدِيدا.
فَلم أزل كَذَلِك، حَتَّى رَأَيْت مَسْجِدا قد فَتحه إِنْسَان، وَخرج مِنْهُ، وَجلسَ يَبُول، فدخلته، وَجَاء الرجل الَّذِي كَانَ يَبُول، فدخله، وأغلق بَابه.
وَقَالَ لي: أَي شَيْء أَنْت؟ فَقلت: غَرِيب، جِئْت السَّاعَة من السوَاد، وَلم أجسر أَن أتجاوز هَذَا الْموضع، فأجرني، أجارك الله.
فَقَالَ: نم مَكَانك، فَتركت البدرة تَحت جَنْبي واتكأت عَلَيْهَا.
فَلم ألبث حَتَّى سَمِعت فِي الطَّرِيق صَوت رجل يسْعَى سعيا شَدِيدا، وَإِذا كَلَام صَاحِبي بِعَيْنِه، وَهُوَ يَقُول: عَملهَا ابْن الزَّانِيَة، ويلي على دَمه.
فأبصرته من شباك الْمَسْجِد، وَإِذا فِي يَده خنجر مُجَرّد، وَهُوَ يتَرَدَّد ذَاهِبًا وجائيا، وأعماه الله عَن دُخُول الْمَسْجِد، إِلَى أَن مضى.
وَلم أزل ساهرا لَا يحملني النّوم؛ خوفًا مِنْهُ، وإشفاقا على مَا معي، إِلَى أَن أَضَاء الصُّبْح، وَأذن فِي الْمَسْجِد.
وَخرجت كَأَنِّي أتوضأ، وحملت مَا معي، ومشيت، وَالنَّاس قد كَثُرُوا فِي الطَّرِيق، حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى بَيْتِي، فأخفيت مَا جِئْت بِهِ، وأصلحت حَالي، وَحَال زَوْجَتي.
ثمَّ خرجت إِلَى ضَيْعَة، كَانَت لأبي، خراب، فأقمت بهَا مُدَّة، حَتَّى عمرتها بِأَكْثَرَ ذَلِك المَال، وَعلمت أَنه لَا يتَّفق مثل هَذَا الِاتِّفَاق أبدا، ولزمت شأني، وصلحت حَالي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute