للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحين رَآنِي، تأملني طَويلا، ثمَّ أَوْمَأ إِلَى خَادِم لَهُ بِكَلَام لَا أفهمهُ، وَركب.

فَجَاءَنِي الْخَادِم، فَقَالَ: الْوَزير يَأْمُرك أَن لَا تَبْرَح من الدَّار، إِلَى أَن يعود، وأخذني إِلَى حجرَة، فأجلسني فِيهَا.

فَقَامَتْ قيامتي، وَخفت أَن يكون قدر أَن تكون لي بَقِيَّة حَال، وَيُرِيد الرُّجُوع عَليّ بالمطالبة، وَلَيْسَ ورائي شَيْء، فأتلف.

فتداخلني من الْجزع أَمر عَظِيم، وحصلت فِي شدَّة كَانَت أَشد عَليّ مِمَّا مر بِي، فَلم يكن بأسرع من أَن عَاد.

فَجَاءَنِي الْخَادِم، فَقَالَ: قُم إِلَى الْوَزير، فقد طَلَبك.

فَجئْت، حَتَّى دخلت عَلَيْهِ، وَهُوَ خَال وَحده، وَلَيْسَ بَين يَدَيْهِ غير أبي الْحُسَيْن، ابْنه، فَرَحَّبَ بِي، وأكرمني، وَرَأَيْت من بره مَا زَالَ عني مَعَه الْخَوْف.

ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَليّ، أعرفك نظيف الثَّوْب، حسن الْقيام على نَفسك، فَلم أَنْت بِهَذِهِ الصُّورَة؟ قَالَ: ففطنت أَنه لما رَآنِي على صُورَتي تِلْكَ؛ رق لي.

فَقلت: أَيهَا الْوَزير، لم يبْق لي، وَالله، حَال، وَإنَّهُ ليتعذر عَليّ مَا أغير بِهِ هَذَا الْمِقْدَار من أَمْرِي، وَفتحت أَبْوَاب الشكاية، إِلَى أَن بَكَيْت.

فَقَالَ: إِنَّا لله، إِنَّا لله، مَا ظَنَنْت أَن حالك بلغت إِلَى هَذَا، وَلَقَد أسأنا إِلَيْك.

<<  <  ج: ص:  >  >>