بتقريعنا، قد قطعت كَلَامه، وأنحيت عَلَيْهِ بلسانك ويديك، فأنشأت لنا اسْتِئْنَاف غضب وموجدة، وأكسبتنا شرا مِمَّا قد أملنا الْخَلَاص مِنْهُ.
فَقَالَ لي: فَمَا أعمل؟ قلت: لست أحسبك تتهمني على نَفسِي وَلَا عَلَيْك، وَلَا تشك أننا حبسنا لقضية وَاحِدَة، فولني جَوَابه، وأعرني سكوتك، وَدعنِي أرْفق بِهِ، وأخدعه بِمَا تخدع بِهِ الْمُلُوك، فَلَعَلَّنَا نتخلص من الْمَكْرُوه الَّذِي نَحن فِيهِ.
قَالَ: افْعَل.
فاستحلفته على ذَلِك، فَحلف لي.
فَلَمَّا دَخَلنَا الصحن؛ وجدنَا الْخَلِيفَة يستاك، وَبَين يَدَيْهِ طست ذهب، وإبريق ذهب، بيد فرَاش قَائِم، وبيد الْخَلِيفَة مسواك طوله ذراعان.
فَلَمَّا رآنا، قَالَ: أَحْسَنت إلَيْكُمَا واصطنعتكما، فخنتماني، وكفرتما نعمتي، وفعلتما، وصنعتما.
فَكَأَنِّي، وَالله، إِنَّمَا أوصيت أَحْمد بن الخصيب، أَلا يَدعه ينْطق.
فَقَالَ لَهُ، وَقد رفع يَدَيْهِ فِي وَجهه: لَا وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا بلغك عَنَّا الْحق، وَلَا فعلنَا شَيْئا مِمَّا سعي بِنَا، وَلَقَد موه عَلَيْك فِي أمرنَا.
فَقَالَ: إِنَّمَا يموه على غبي مثلك، فأومأت إِلَيْهِ بعيني، فَأمْسك بعض الْإِمْسَاك.
وَعَاد الواثق يتمم كَلَامه، ويعد علينا نعمه ومننه، فَمَا ملك أَحْمد نَفسه، أَن رفع يَده، وَقَالَ: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا كفرنا نِعْمَتك، وَلَا فعلنَا، وَلَا صنعنَا، إِنَّمَا موه على أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي أمرنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute