فَقَالَ: يَا جَاهِل، قد عدت لَهَا، إِنَّمَا يجوز التمويه على أَحمَق مثلك، وأومأت إِلَيْهِ بعيني، فَأمْسك.
وَعَاد الواثق فِي كَلَامه، فَمَا انضبط أَحْمد أَن رد قَوْله، وَجَاء بالتمويه.
فحين سَمعهَا الواثق، انقلبت عَيناهُ فِي أم رَأسه، واستشاط غَضبا، وَأَغْلظ لَهُ فِي الشتم، وحذفه بالمسواك، فلولا أَنه زاغ عَنهُ؛ لهشم وَجهه، وأعمى عينه.
ثمَّ قَالَ: يَا غلْمَان، أَخْرجُوهُ إِلَى لعنة الله، فَأخْرج أخزى خلق الله.
ونالني من الْجزع وَالْغَم والحيرة فِي أمره أَمر عَظِيم، وَلم أدر أَقف، أم أمضي، وَخفت إِن وقفت أَن يَقُول: مَا وقوفك بَين يَدي، وقضيتكما وَاحِدَة؟ وَإِن مضيت أَن نرد جَمِيعًا إِلَى الْحَبْس، فَرَجَعت أتقهقر عَن موضعي قَلِيلا، كَأَنِّي أُرِيد الْخُرُوج.
فَقَالَ لي: مَكَانك أَنْت يَا سُلَيْمَان، هَب هَذَا على مَا هُوَ عَلَيْهِ، أَنْت أَيْضا، تنكر أَنَّك فعلت كَذَا، وصنعت كَذَا! فَوجدت السَّيْل إِلَى مَا أردْت، فَلم أزل أعترف، وألزم نَفسِي الْجِنَايَة، وأديم الخضوع والاستعطاف، وأسأل الصفح وَالْإِقَالَة، إِلَى أَن قَالَ: قد عَفَوْت عَنْك، فَقبلت الأَرْض، وبكيت.
فَقَالَ: اخلعوا عَلَيْهِ، واصرفوه إِلَى منزله، وليلزم الدَّار على عَادَته ورسمه.
فَلَمَّا وليت؛ قَالَ: وَذَلِكَ الْكَلْب، قد كنت أردْت الْعَفو عَنهُ، فَأَخْرجنِي عَن حلمي سوء أدبه، فاخلعوا عَلَيْهِ أَيْضا.
فَخرجت، وَإِذا بِأَحْمَد فِي بعض الممرات، فعرفته الْخَبَر، ثمَّ قلت لَهُ: يَا هَذَا، كدت أَن تَأتي علينا، أَرَأَيْت أحدا يُكَرر على الْخَلِيفَة لَفْظَة قد كرها، وأنكرها، ثَلَاث مَرَّات؟ أوما علمت أَن التمويه فِي الْحَقِيقَة ضرب من السخرية؟ قَالَ: فَلم يخرج من قلبِي فزع التمويه، من ذَلِك الْوَقْت، إِلَى الْآن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute