للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستعرضه الرشيد، فأعجب بِهِ، وَقَالَ: يَا عبد الْملك، أُرِيد أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فِي يَوْم الْجُمُعَة، فاختر لَهُ خطْبَة، فحفظه إِيَّاهَا.

فحفظته عشرا، وَخرج، فصلى بِالنَّاسِ، وَأَنا مَعَه، فأعجب الرشيد بِهِ، وَأَخذه نثار الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم من الْخَاصَّة والعامة، وأتتني الجوائز والصلات من كل نَاحيَة، فَجمعت مَالا عَظِيما.

ثمَّ استدعاني الرشيد، فَقَالَ: يَا عبد الْملك، قد أَحْسَنت الْخدمَة، فتمن.

قلت: مَا عَسى أَن أَتَمَنَّى، وَقد حزت أماني.

فَأمر لي بِمَال عَظِيم، وَكِسْوَة كَثِيرَة، وَطيب فاخر، وَعبيد، وإماء، وَظهر، وفرش، وَآلَة.

فَقلت: إِن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَأْذَن لي فِي الْإِلْمَام بِالْبَصْرَةِ، وَالْكتاب إِلَى عَامله بهَا، أَن يُطَالب الْخَاصَّة والعامة، بِالسَّلَامِ عَليّ ثَلَاثَة أَيَّام، وإكرامي بعد ذَلِك.

فَكتب إِلَيْهِ بِمَا أردْت، وانحدرت إِلَى الْبَصْرَة، وداري قد عمرت، وضياعي قد كثرت، ونعمتي قد فَشَتْ، فَمَا تَأَخّر عني أحد.

فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث؛ تَأَمَّلت أصاغر من جَاءَنِي، فَإِذا الْبَقَّال، وَعَلِيهِ عِمَامَة وسخة، ورداء لطيف، وجبة قَصِيرَة، وقميص طَوِيل، وَفِي رجله جرموقان، وَهُوَ بِلَا سَرَاوِيل.

فَقَالَ: كَيفَ أَنْت يَا عبد الْملك؟ فاستضحكت من حماقته، وخطابه لي بِمَا كَانَ يخاطبني بِهِ الرشيد.

وَقلت: بِخَير، وَقد قبلت وصيتك، وجمعت مَا عِنْدِي من الْكتب،

<<  <  ج: ص:  >  >>