للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلم أقنع حَتَّى قدم التُّجَّار لخدابود خمسين ألف دِينَار، وَدخل، فَعرف الْفضل مَا جرى، وشكره، وَأقَام مَعنا مُدَّة.

ثمَّ دخل إِلَيْهِ يَوْمًا، وَالْفضل مغموم مفكر، فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الْأَمِير، مَا الَّذِي قد بلغ بك إِلَى مَا أرى من الْفِكر وَالْغَم؟ قَالَ: أَمر لَا أَحسب لَك فِيهِ عملا، يَا خدابود.

قَالَ: فَأَخْبرنِي بِهِ، فَإِن كَانَ عِنْدِي فِيهِ مَا يفرجه عَنْك، وَإِلَّا فَفِي الشكوى رَاحَة.

قَالَ لَهُ الْفضل: إِن خارجيا قد خرج علينا بِبَعْض كور خُرَاسَان، وَنحن على إضاقة من المَال، وَأكْثر عساكرنا قد جردوا إِلَى بَغْدَاد، والخارجي يقوى فِي كل يَوْم، وَأَنا مرتبك فِي هَذَا الْأَمر.

فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير، مَا ظَنَنْت الْأَمر إِلَّا أصعب من هَذَا، وَمَا هَذَا حَتَّى تفكر فِيهِ؟ أَنْت قد فتحت الْعرَاق، وَقتلت المخلوع، وأزلت مثل تِلْكَ الدولة، وتهتم بِهَذَا اللص الَّذِي لَا مَادَّة لَهُ؟ أنفذني إِلَيْهِ أَيهَا الْأَمِير، فَإِن أَتَيْتُك بِهِ، أَو بِرَأْسِهِ، بإقبالك، فَهُوَ الَّذِي تُرِيدُ، وَإِن قتلت؛ لم تنثلم الدولة بفقدي، على أَنِّي أعلم أَن بختك لَا يُخطئ فِي هَذَا الْمِقْدَار الْيَسِير.

قَالَ: ففكر الْفضل سَاعَة، ثمَّ الْتفت إِلَيّ، فَقَالَ: لَعَلَّ الله يُرِيد أَن يعرفنا قدرته بخدابود.

ثمَّ لفق رجَالًا، واحتال مَالا، ففرقه عَلَيْهِم، وخلع على خدابود، وقلده حَرْب الْخَارِجِي، والبلد الَّذِي هُوَ فِيهِ.

فَسَار خدابود بالعسكر، فَلَمَّا شَارف عَسْكَر الْخَارِجِي؛ جمع وجوده عسكره، وَقَالَ لَهُم: إِنِّي لست من أهل الْحَرْب، وأعول على نصْرَة الله، تَعَالَى، لخليفته على الْعباد، وعَلى إقبال الْأَمِير، وَلَيْسَ هَذَا الْخَارِجِي من أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>