فَمضى، وَعَاد من سَاعَته، فَقَالَ: خرجت إِلَى الْبَقَّال الَّذِي يعاملنا، وَعِنْده رجل، فَأَعْطَانِي بالمنديل اثْنَي عشر درهما صحاحا، وَقد بِعته بِشَرْط، فَإِن أمضيت البيع، وَإِلَّا أخرجت المنديل إِلَى سوق قنطرة البردان، واستقصيت فِيهِ، كَمَا تحب.
فَأَمَرته بإمضاء البيع للْحَال الَّتِي خبرتني بهَا الْمَرْأَة، وَأَن يَشْتَرِي مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الصّبيان، وعلفا للدابة، وَركبت، لَا أَدْرِي إِلَى أَيْن أقصد.
فَأَنا فِي الشَّارِع، وَإِذا أَنا بِأبي خَالِد، وَالِد هَذَا، وَمَعَهُ موكب عَظِيم ضخم، وَهُوَ يَوْمئِذٍ يكْتب لأبي عبيد الله، كَاتب الْمهْدي، فملت إِلَيْهِ، ورميت نَفسِي عَلَيْهِ.
وَقلت لَهُ: قد تناهت العطلة بأخيك وَبِي، إِلَى مَا لَا نِهَايَة وَرَاءه، وَعلي، وَعلي، إِن لم تكن قصتي فِي يومي هَذَا، كَيْت وَكَيْت، وقصصت عَلَيْهِ الْخَبَر، وَهُوَ مستمع لذَلِك، مَاض فِي سيره، فَلَمَّا بلغ مقْصده؛ انصرفت عَنهُ، وَلم يقل لي حرفا.
فَانْصَرَفت منكسف البال، مُنْكرا على نَفسِي إسرافي فِي الشكوى، وإطلاعي إِيَّاه على مَا أطلعته عَلَيْهِ.
وَقلت: مَا زِدْت على أَن فضحت نَفسِي، وقللتها فِي عينه من غير نفع.
ووافيت منزلي على حَال أنكرتها أَهلِي، فسألتني.
فَقلت: جنيت الْيَوْم على نَفسِي جِنَايَة كنت عَنْهَا غَنِيا، وقصصت عَلَيْهَا قصتي مَعَ يزِيد.
فَأَقْبَلت توبخني، وَقَالَت: مَا حملك على أَن أظهرت للرجل حالك؟ فَإِن أقل مَا فِي ذَلِك، أَن لَا يأتمنك على أَمر، فَإِن من تناهت بِهِ الْحَال إِلَى مَا ذكرت، كَانَ غير مؤتمن، فنالني من توبيخها أَضْعَاف مَا نالني أَولا.
وأصبحنا فِي الْيَوْم الثَّانِي، فوجهت بِأحد ثوبيّ فَبيع، وتبلغنا بِثمنِهِ يَوْمنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute