وأصبحنا فِي الْيَوْم الثَّالِث، وَنحن فِي غَايَة الضيقة، فطوينا يَوْمنَا وليلتنا.
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع؛ ضَاقَتْ نَفسِي، وَقل صبري، وضعفت قوتي، واخترت الْمَوْت على الْحَالة الَّتِي أَنا فِيهَا.
فَقَالَت لي أَهلِي: أَنا خائفة عَلَيْك من الوسواس، فَيكون مَا نحتاج لعلاجك أَضْعَاف مَا نحتاج لمئونتنا، فسهّل الْأَمر عَلَيْك، وَلَا تضجر، وَلَا تقنط من رَحْمَة الله، فَإِن الله، عز وَجل، الصَّانِع، الْمُدبر، الْحَكِيم.
قَالَ: فركبت، لَا أَدْرِي أَيْن أقصد، فَلَمَّا صرت إِلَى قنطرة البردان؛ لَقِيَنِي رَسُول أبي خَالِد يطلبني دَاره.
فَقَالَ لي حَاجِبه: اجْلِسْ، فأقمت، وَخرج مَعَ الزَّوَال، فدنوت مِنْهُ.
فَقَالَ: يَابْنَ أخي، شَكَوْت إِلَيّ بالْأَمْس شكوى، لم يكن فِي جوابها إِلَّا الْفِعْل، وَأمر بإحضار حميد وداهر؛ تاجرين كَانَا يبيعان الطَّعَام.
فَقَالَ لَهما: قد علمتما أَنِّي إِنَّمَا بعتكما البارحة ثَلَاثِينَ ألف كرّ، على أَن ابْن أخي هَذَا شريككما فِيهَا بالسعر.
ثمَّ قَالَ: لَك فِي هَذِه عشرَة آلَاف كرّ بالسعر، فَإِن دفعا إِلَيْك ثَلَاثِينَ ألف دِينَار ربحك، وآثرت أَن تخرج إِلَيْهِمَا من حصتك؛ فعلت، وَإِن آثرت أَن تقيم على ابتياعك؛ فعلت.
قَالَ: فتنحينا نَاحيَة، وَقَالا: إِنَّك رجل شرِيف، وَابْن شرِيف، وَلَيْسَت التِّجَارَة من شَأْنك، وَمَتى أَقمت على الابتياع؛ احتجت إِلَى كفاة وَأَعْوَان، وَلَكِن خُذ منا ثَلَاثِينَ ألف دِينَار، وخلنا وَالطَّعَام.
فَقلت: قد فعلت، وَقمت إِلَى أبي خَالِد، فَقلت: قد أجبتهما إِلَى أَخذ المَال، وتركهما وَالطَّعَام.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute