للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مُحَمَّد بن عمر الْجِرْجَانِيّ: فَجَاءَنِي يذكر مَا عزم عَلَيْهِ، ويصف إفراط خلته، وقصور حيلته، وسألني أَن أسأَل سَلاما الأبرش، لمودة كَانَت بَينه وَبَين أَبِيه، أَن يُعينهُ بمركوب، وبألفي دِرْهَم.

فقصدت سَلاما، وَسَأَلته فِي ذَلِك، فَقَالَ: وَالله، لَو كَانَ لي بِعَدَد الذُّبَاب دَوَاب؛ مَا أَعْطيته شَعْرَة من ذَنْب وَاحِد مِنْهَا، وَلَو كَانَ عِنْدِي بِقدر رمل عالج عين وورِق؛ مَا أَعْطيته مِنْهَا حَبَّة.

فَانْصَرَفت إِلَيْهِ، وَقد كَانَ أَقَامَ فِي منزلي، ينْتَظر مَا يجْرِي، فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ، وَحلفت لَهُ أَنِّي مَا أملك إِلَّا دَابَّة وَبغلة وَأَرْبع مائَة دِرْهَم، فليأخذ مِنْهَا مَا شَاءَ.

فَقَالَ: أَنْت إِلَى الدَّابَّة فِي الْحَضَر أحْوج، وَأَنا إِلَى البغلة فِي السّفر أحْوج، فأعطنيها، وَأَنت مُقيم، وَأَنا مُسَافر، وتقدر، أَنْت، أَن تحتال لنَفسك نَفَقَة، وَأَنا لَا أقدر، فَأعْطِنِي أَربع مائَة الدِّرْهَم كلهَا.

فدفعتها إِلَيْهِ مَعَ البغلة، وَصَحب عَسْكَر عَليّ بن عِيسَى.

فَلَمَّا حدث على عَليّ مَا حدث؛ صَار إِلَى الْفضل، فأوصل إِلَيْهِ الْكتاب، فقرأه، وسر نِهَايَة السرُور، وأكرمه غَايَة الْإِكْرَام، وَأنكر عَلَيْهِ تَأَخره إِلَى ذَلِك الْوَقْت.

وَقَالَ: مَا أعرف شَيْئا أَقْْضِي بِهِ حَقك، إِلَّا أَن أشركك فِي أَمْرِي، وأقلدك الْعرض على أَمِير الْمُؤمنِينَ خلَافَة لي.

فقلده ذَلِك، وَكبر أمره.

وَلم يزل أَحْمد بن أبي خَالِد، يضْرب على سَلام الأبرش، ويغري بِهِ الْمَأْمُون، إِلَى أَن قَالَ لَهُ: قد وهبت لَك دَمه، وَجَمِيع مَا يملكهُ.

فَقبض عَلَيْهِ، وَقبض مِنْهُ مَا قِيمَته أَرْبَعَة آلَاف ألف دِرْهَم، ودعا بِالسَّيْفِ والنطع، وَأمر بِضَرْب عُنُقه، بعد أَن قرعه بِمَا كَانَ مِنْهُ عِنْد مَسْأَلَة مُحَمَّد بن عمر الْجِرْجَانِيّ فِي أمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>