فَكنت ومعلمي وَالصبيان نجلس طرفِي النَّهَار على الدّكان، وَفِي انتصافه فِي الْبَيْت.
فَكَانَ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَة يَجْلِسُونَ عِنْدِي فِي الْمكتب كثيرا، ويؤانسون معلمي، ويلاعبوني، ويتقربون إِلَيّ، ويسألوني أَن أعرض لَهُم على أبي، الرقعة بعد الرقعة، يعطوني إِيَّاهَا.
فَقَالَ لي يَوْمًا، الْأَكْبَر مِنْهُم، وَهُوَ أَبُو عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد: إِن أَعْطَاك الله، تَعَالَى، الْحَيَاة، حَتَّى تتقلد الْقَضَاء، وَتصير مثل القَاضِي أَبِيك فِي الْجَلالَة وَالنعْمَة، وجئتك، أَي شَيْء تُعْطِينِي؟ فَقلت لَهُ، بالصبا، وكما جرى عَلَيْهِ لساني: خمس مائَة دِينَار.
قَالَ: فَأعْطِنِي خطك بهَا، فَاسْتَحْيَيْت، وَسكت.
فَقَالَ لمعلمي: قل لَهُ يكْتب لي.
فَقَالَ لي: اكْتُبْ لَهُ، وأملى عَليّ الْمعلم، وَأَبُو عَليّ، رقْعَة فِي هَذَا الْمَعْنى، وَأَخذهَا أَبُو عَليّ.
فَمَا مَضَت إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى استدت لَهُم بِالشَّهَادَةِ عِنْد أبي، على صِحَة مَا ادعوهُ من الرَّحِم، وَاسْتِحْقَاق الْمِيرَاث بهَا.
وَكَانَ أبي قد بَاعَ التَّرِكَة، وَقضى الدَّين، وَفرق قدر الثُّلُث، وَترك الْبَاقِي مَالا عِنْده، فَأمر بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِم، وَأشْهد بِقَبْضِهِ عَلَيْهِم، وَانْصَرفُوا.
فَمَا وَقعت لي عين على أحد مِنْهُم، إِلَّا فِي سنة وَخمسين وَثَلَاث مائَة، فَإِنِّي كنت أتقلد الْقَضَاء وَالْوُقُوف بسوق الأهواز، ونهر تيرى، والأنهار، والأسافل، وسوق رامهرمز، سهلها وجبلها، وأعمال ذَلِك، وَأَنا فِي دَاري بالأهواز، وأمري فِي ضيعتي مُسْتَقِيم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute