قلت: أَخْبرنِي مَا السَّبَب الَّذِي أحوجك إِلَى مَا عملت بِي من الْقَبِيح، بعد مَا عملته مَعَك من الْجَمِيل؟ فجمجم فِي القَوْل.
فَقلت لَهُ: مَا إِلَى الرِّضَا سَبِيل.
فَقَالَ: أَنا أصدقك، دخلت عَلَيْك يَوْمًا، وعَلى رَأسك قلنسوة باذان جَدِيدَة من خرقَة حَسَنَة، فاستحملتها، فسألتك هبتها لي، فرددتني، فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام؛ رَأَيْتهَا على رَأس ابْن نظيف الْمُتَكَلّم، الْمَعْرُوف بـ: شهدانه.
فَسَأَلته: من أَيْن لَك هَذِه؟ فَقَالَ: وَهبهَا لي القَاضِي.
فوقر ذَلِك فِي نَفسِي مِنْك، وتزايد، فَلَمَّا حدثت تِلْكَ النكبة؛ كَانَ مني بعض مَا بلغك، وَأَكْثَره كذب، وَأَنت ولي الْعَفو، وَجعل يقبل يَدي ورجلي، ويبكي.
فعجبت من لؤم طبعه، وَمن كَثْرَة شَره، وقبح كفره للنعم، وَاخْتِلَاف أَحْكَام الْأَزْمِنَة وَأَهْلهَا، وَجعلت أَكثر من قَول: الْحَمد لله على تفضله، وَلم أكافه بقبيح الْبَتَّةَ.
واقتصرت بِهِ على الْحَال الَّتِي كنت وليته إِيَّاه؛ لِأَن القَاضِي الَّذِي ولي الْقَضَاء بعدِي، أقره على مَا كنت وليته، فَكَانَ قد اسْتمرّ لَهُ أَخذ الدَّنَانِير من الصَّدقَات والجاري من الْوُقُوف وأبواب الْبر، وقبضت يَدي عَن نَفعه بِمَا فَوق ذَلِك.