للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: أما أَنْت؛ فَأحْسن الله جزاءك، وَأما مَالك؛ فَأَنا لَا أقبله، وَلَو مصصت الثماد، وَلَكِن تُؤدِّي إِلَيّ الرسَالَة بِعَينهَا، فأديتها.

فَقَالَ: تتفضل، وَتحمل عني حرفين.

فَقلت: هَات.

قَالَ: تَقول لَهُ، وَالله، مَا لزومي لَك فِي نَفسك، وَلَو تعطلت، مَا مَرَرْت بك، وَلَكِن الله، تَعَالَى، يَقُول: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [الْبَقَرَة: ١٨٩] ، وَأَنت بَاب رزق مثلي؛ لِأَنِّي لَا أحسن إِلَّا هَذِه الصِّنَاعَة، وَلَا بُد من أَن آتِيك طَالبا رِزْقِي من بَابه، وَلَيْسَ يَمْنعنِي ذَلِك استقبالك إيَّايَ بِالرَّدِّ، فَإِن قسم الله، تَعَالَى، لي على يَديك شَيْئا؛ أَخَذته مِنْك، وَإِلَّا فَلَا أقل من أَن أؤذيك برؤيتي، كَمَا تؤذيني بتعطيلي.

وَقَالَ فِيهِ عَن ابْن أبي خَالِد: فصرت فِي الْوَقْت إِلَى الْمَأْمُون، فَقَالَ: هاتم شخصا أَوله مصرا.

قَالَ: فَأَرَادَ أَن يذكر لَهُ رجلا يعتني بِهِ، يعرف بـ: الزبيرِي؛ لتولي ذَلِك الْعَمَل، فلغيظه من الهبيري، وَقرب عَهده بِهِ وَحَدِيثه، غلط، فَقَالَ: الهبيري.

فَقَالَ الْخَلِيفَة: أويعيش؟ وعرفه، وَذكر لَهُ خدمَة قديمَة.

وَأَرَادَ ابْن أبي خَالِد أَن يزهده فِيهِ، قَالَ: فطعنت عَلَيْهِ بِكُل شَيْء، وَهُوَ يَقُول: لَا أُرِيد غَيره، أَنا أعرفهُ بالجلادة.

إِلَى أَن قلت لَهُ: أَنا غَلطت، وَإِنَّمَا أردْت أَن أَقُول فلَان الزبيرِي.

قَالَ: وَإِن غَلطت، فالهبيري أقوم بِهَذَا من الزبيرِي، وَأَنا أَعْرفهُمَا، فَلَمَّا رَآنِي قد أَقمت على الدّفع عَنهُ؛ قَالَ: لَهُ مَعَك قصَّة، فاصدقني عَنْهَا، فصدقته.

فَقَالَ: قد، وَالله، أجْرى رزقه على يَديك، وَأَنت راغم، أخرج فوله مصر.

فَقلت: إِنَّه ضَعِيف، وَلَا حَالَة لَهُ، وَلَا مُرُوءَة، فَكيف يخرج فِي مثل هَذِه الْحَال إِلَى عمله؟

<<  <  ج: ص:  >  >>