للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ كَاتب الْمَعْزُول: مل بِنَا إِلَى مَوضِع نجلس فِيهِ ونتحدث، وَترى رَأْيك، فمالا وَنزلا، وَطرح لَهما مَا جلسا عَلَيْهِ.

فَقَالَ: أعزّك الله، لَا تنكر انصراف صَاحِبي، فَإِنَّهُ رجل كَبِير الْمِقْدَار، وَفِي مقَامه إِلَى أَن تصيروا إِلَى الْعَمَل مهانة تلْحقهُ، وَقد خلف قبلي خمسين وَمِائَة ألف دِرْهَم لصاحبك، ودوابا ورقيقا بِقِيمَة ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم، فاقبض ذَلِك، واكتب لنا كتابا بإزاحة علتك، وانفصال مَا بَيْننَا وَبَيْنك، وَنحن ننصب لَك من يرفع الْحساب رفع من لَا يستقصى عَلَيْهِ، وَلَا يعنت.

فَقبل كَاتب الْوَالِي ذَلِك، وركبا، وَقد زَالَ الْخلاف فِيمَا بَينهمَا، وَخرج الْكَاتِب لاحقا بِصَاحِبِهِ، وخلّف من يسلم الْحساب.

واتصل ظَاهر الْخَبَر بالهاشمي الْوَالِي، وَكتب إِلَيْهِ كَاتبه: إِنِّي قد بلغت من الْأَمر مبلغا مرضيا، إِذا وقفت عَلَيْهِ.

فَلَمَّا سَارُوا إِلَى النَّاحِيَة؛ عرف مَا جرى، فَحسن موقعه، وتبرك بالكاتب، وَغلب على قلبه، فكسب مَالا عَظِيما.

فَلَمَّا مَضَت ثَلَاث سِنِين؛ صُرِفَ الْهَاشِمِي بِالرجلِ الَّذِي كَانَ واليا قبله، وَبلغ الْهَاشِمِي الْخَبَر.

فَقَالَ لكَاتبه: مَا الرَّأْي؟ قَالَ: نَفْعل بِهِ مِثْلَمَا فعل بِنَا، وترحل أَنْت، وأقيم أَنا، وَمَعِي مثل مَا أَعْطَانَا، فَأعْطِيه إِيَّاه، وآخذ كِتَابه بانفصال مَا بَيْننَا وَبَينه، وَألْحق بك، فَفعل.

ووافى كَاتب الصَّارِف، الَّذِي كَانَ مَعْرُوفا، فَتَلقاهُ الْكَاتِب فِي الْموضع الَّذِي لقِيه فِيهِ، لما كَانَ معزولا مصروفا، فَسلم عَلَيْهِ، وعدلا فَنزلَا، وَعرض عَلَيْهِ مَا خَلفه صَاحبه لَهُ ولصاحبه، وَسَأَلَهُ قبُول ذَلِك، وَالْكتاب بِمثل مَا كَانَ كتب إِلَى الرشيد، فَامْتنعَ من قبُول ذَلِك، وَكتب لَهُ بانفصال مَا بَينهمَا، إِلَى الرشيد، كتابا وكيدا.

وَقَالَ لَهُ: أَرَاك فَاضلا فطنا، وَأرى صَاحبك عَاقِلا، وَقبُول ذَلِك لَا يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>