النَّارِ» وقوله:«من كل ألف» إلخ. وأصل (عند) أنها ظرف مكان. وقد يتوسع فيها، فتضاف إلى الزمان، فتدل على المقارنة بما أضيفت إليه. استعير لفظ الاستقرار المكاني لمطلق المقارنة بدون مكان نحو: عند الزوال.
وقوله:«يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها» تمثيلية؛ بأن شبهت الهيئة الحاصلة من هلع الناس وجزعهم بأشد ما يُتخيل عروضه من الهول والهلع والرعب في المتعارف، وهو الهول الذي يشيب له الصغير وتضع الحوامل حملهن.
وذلك أنه قد شاع عند الناس أن الهم ونحوه يسبب الشيب، ثم بالغ العرب فيه، فجعلوا الهم والخوف يسرعان بالشيب إلى الأطفال الذين لا يهتمون بالمصائب ولا تتهيأ أمزجتهم إلى الشيب، كقول الشاعر:
إذن والله نرميهم بحرب ... تشيب الطفل من قبل المشيب
فحصل من شيوع هذا الاستعمال تخيل هيئة لعظيم الهول تشيب عندها الأطفال، فهي هيئة وهمية، فالتشبيه بها تشبيه بأمر غير حسي، ولكنه وهمي. ونظيره في التشبيه المفرد قوله تعالى:{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}، وقول امرئ القيس:
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
فالمشبه في هذا الحديث هيئة حسية علمت من قوله:«فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها»؛ لأن من المعلوم للسامعين أنه لا صغير ولا حامل في ذلك الموقف، وأن المقصود: فعند ذلك هول ورعب وهلع، كالهول الذي يشيب فيه الصغير وتضع الحامل حملها، فبذلك استقامت التمثيلية.
وقوله:«وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى» تشبيه بليغ غير تمثيلي؛ ولذلك تبدل الأسلوب فلم يعطف على «يشيب وتضع» فيقال: وتسكر الناس، بل قيل:«وترى الناس سكارى» وقوله: «وَمَا هُمْ بِسُكَارَى» تجريد للتشبيه البليغ.
وقد جاء في هذا الحديث فنون من السحر البياني بعضها مقتبس من قوله تعالى:{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} الآية.