سمعوا أنه قال:«تلك الغرانيق العلى وأنَّ شفاعتهن لتُرتجى». ذلك خبر موضوع مكذوب وضعه القصَّاصون تكملة لسبب سجود المشركين بسجود الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتبينوا؛ وكيف قد قال عقبه:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا}[النجم: ٢٣].
وأن الله تعال لم يغادر موضعًا يتطرق منه الشك إلا سدَّه في وجوه أهل الضلال، أل ترى إلى قوله:{فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ}[الأحقاف: ٢٨]، فإنه لما أجرى عليهم من مقام التهكم ما يوهم أنهم بحيث ينصرونهم ولا يضلون عنهم لو أرادوا عقب ذلك بالاحتراس بقوله:{وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[الأحقاف: ٢٨] ليظهر الاستعارة التهكمية نارًا على علم.
* * *
باب فضل الطهور بالليل والنهار [٢: ٦٧، ٩]
(عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال عند صلاة الفجر:«يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة». قالَ ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعةٍ من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي).
أي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع سماع مكاشفة في النوم أو اليقظة دفّ نعلّيْ بلال بين يديه في الجنة، فكان ذلك وحيًا يتحقق به دفَّ نعلي بلال بين يديه في الجنة حين دخولها. وقد علم رسول - صلى الله عليه وسلم - بوحي أو بإلهام أن تلك الفضيلة ما حصلت لبلال إلا جزاء عن عمل توخاه بلال ورجا به مزية في الجنة ولم يُطلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تعيين العمل، فأحيل في الاطلاع عليه على أن يتلقاه من بيان بلال عامله، ليحصل بذلك فوائد: هي اطلاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تعيين العمل، وبشارة بلال بحصول ما رجاه، والشهادة لبلال بصدق حذق فراسته فيما رجاه موصلا لبغيته.
ومعنى كون العمل أرجى: أنه أرحى لصاحبه، لمعنى راعاه عامله من إخلاص وصدق نية وحب للتقرب إلى الله تعالى، فبهذه الاعتبارات تتفاوت أعمال العامل الواحد في رجاه من عمله، فلا تفاضل في هذه الناحية بين أنواع الأعمال، ولكن التفاضل منها بين مراتب الإقبال والإخلاص والنية، ولذلك كان سُؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا عن أجرى عمل عمله بلال، فتعلق السؤال بأعمال المسئول؛ لأن نوايا العباد