وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦]. فإن إطعام القانع والمعتر هو المقصود من الهدي؛ لأن الهدي لا يكون هديًا إلا بعد تذكيته، فدل ذلك على أن أحكامه قبل ذلك باقية على ما قرره قوله تعالى في شأن الأنعام كلها:{لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}[غافر: ٧٩] إلى قوله: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ}[النحل: ٧]، فذلك حكم لم يغيره مصير بعضها هديًا؛ لأن مصيرها هديًا لا يتحقق إلا عند تذكيتها في محلها المعروف.
* * *
[باب الحلق والتقصير عند الإحلال]
وقع فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما [٢: ٢١٣، ١٣]:
(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«اللهم ارحم المحلقين»، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال؟ :«اللهم ارحم المحلقين»، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال:«والمقصرين»).
لما كان الحلق أبلغ من التقصير في اتقاء الرأس من التفث ونحوه حرض النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوة للمحلقين بالرحمة للدلالة على أفضلية الحلق، كما فضل الاستنجاء بالماء على الاستجمار في قوله تعالى:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[التوبة: ١٠٨]، فالدعاء للمحلقين في هذا الخبر، والإخبار عن محبة الله المطهرين في الآية، لقصد الثناء عليهم وتفضيل فعلهم، فهي رحمة خاصة ومحبة خاصة، فلا دلالة في شيء من ذلك على أن المقصرين غير مرحومين. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بحيث لا يدعو لهم، فلما لقنوه بطلب الدعاء لهم دعا لهم في المرة الثالثة، فدل على أنهم مرجوة لهم الرحمة، ولكن الثناء على المحلقين بزيادة الرحمة الناشئة عن زيادة الرضى.
* * *
[باب الخطبة أيام منى]
وقع فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهم -[٢: ٢١٥، ١٧]:
(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم النخر؛ فقال:«أي يوم هذا؟ » قالوا: