وقال:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى}[التوبة: ٩١]. وقال الحماسي:
لقد زاد الحياة إلي حباً ... بناتي إنهن من الضعاف
فالمراد من الضعفاء هنا الفقراء والمرضى والصبيان والأرامل ونحوهم. وقد دلَّ عليه مقابلته بسبب القصة، وهو قول الراوي:«رأى سعد أن له فضلاً على من دونه» أي من حيث غنائه في الحرب.
ووجه ما دل عليه الحديث أن الله شديد الرحمة بضعفاء خلقه؛ لأنهم لا يستطيعون حيلة، فكان لطف الله أسرع إليهم منه إلى غيرهم، فإنه إذا ضاقت الأرزاق وجد أهل الثراء والسعة بعض السبيل إلى سد عوزهم وضاق الأمر على الفقراء. وإذا غلب القوم وعزوا وجد الأقوياء ملجأً للفرار والدفاع، والأغنياء فدى لأحبائهم من الأسر، ولأيتام أمواتهم من الحاجة. ولم يجد الفقراء لذلك سبيلاً، فكان تقدير الله معظم النصر للقوم، ومعظم الرزق من آثار رحمته بأولئك؛ لأن جميع أسباب النعم هي من آثار رحمة الله.
وقد دلت الآثار المستقراة من الكتاب والسنة على أن الله يعوض عبيده عما أرزأهم من المصائب والعلل، فكان هذا من معنى ذلك.
وليس المراد أن غير الضعفاء لاحظ لهم في عناية الله تعالى لطفه، كيف والله تعالى يقول:{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ}؟ [الشورى: ١٩].
* * *
باب لا يقول فلان شهيد [٤: ٤٤، ١٩]
هذا تبويب غريب، فإن إطلاق اسم الشهيد على المسلم المقتول في الجهاد الإسلامي ثابت شرعاً، ومطرق على ألأسنة السلف فمن بعدهم. وقد ورد في حديث الموطأ والصحيحين: أن الشهداء خمسٌ غير الشهيد في سبيل الله. والوصف بمثل هذه الأعمال يعتمد النظر إلى الظاهر الذي لم يتأكده غيره، وليس فيما أخرجه البخاري هنا إسناداً وتعليقاً ما يقتضي منع القول بان فلاناً شهيد، ولا النهي عن ذلك.
فالظاهر أن مراد البخاري بذلك أن لا يجزم أحد بكون أحد قد نال عند الله ثواب الشهادة؛ إذ لا يدري ما نواه من جهاده، وليس ذلك لمنع من أن يقال لأحد: إنه شهيد، وأن تجري عليه أحكام الشهداء إذا توفرت فيه، فكان وجه التبويب أن يكون: