وقع فيه حديث أبي هريرة في قتل المشركين خبيبًا [٥: ١٠١، ١٨]:
«قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين فتركوه فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت».
يعني أن خبيبًا كان آيسا من حدثان ما يصرف المشركين عن قتله بعد أن أزمعوه وخرجوا به من الحرم لذلك، فلم يكن يرجو من الزيادة في الصلاة ورود نجدة تنقذه، فلا يقال: إنه كان عليه أن يزيد في الصلاة لعله يحدث له ما ينقذه.
وقوله:«لولا أن تظنوا أن ما بي جزع ... » إلخ، هو مقصد ديني أيضًا؛ لئلا يؤثر عن أحد المسلمين الجزع من الموت فيفسد على المسلمين سمعتهم التي عرفوا بها بين المشركين من الشجاعة وصدق اللقاء ورباطة الجأش. وذلك مما يلقي الرعب في قلوب أعدائهم عند لقائهم، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[٧: ٦٥، ١٥]: «نصرت بالرعب» فحصل من مجموع الأمرين عدو له عن تطويل الصلاة مع أن في التطويل استبقاء الحياة.
وفي فعل خبيب ما يستروح به لقول ابن القاسم من أصحاب مالك: إن القاتل لا يجبر على أن يعطي مالاً لأولياء المقتول إذا رضوا بالصلح وقبول المال.
* * *
باب [٥: ١٠٣، ١٨]
قال الشراح: هو كالفصل لما قبله، وهو «باب شهود الملائكة بدرًا»، ولكن الظاهر أن البخاري ترك هذا الباب بلا ترجمة؛ لأنه قصد منه تخريج الأخبار الدالة على إحصاء أهل بدر ليكون مقدمة لجريدة أسمائهم الواردة بعد ذلك.
وقع فيه قول عروة [٥: ١٠٤، ١٠]:
(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل الزبير العنزة التي طعن بها في عين عبيدة بن سعيد).
هذه هي العنزة التي كانت توضع بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى في المصلى أو في السفر، ولعل سؤال رسول الله الزبير إياها أنها صارت غير صالحة للقتال فاتخذها سترة؛ لئلا يعطل عنزة أو رمحًا صالحًا للاستعمال في الحرب، ولأجل أنها كانت توضع بين يديه استردها الخلفاء من بعده؛ لأنها صارت من أدوات ولي أمر المسلمين، وتبركًا بأثر نبوي، وأثر من آثار الجهاد ومن آثار يوم بدر، وهو يوم الفرقان، ففيها تذكير بأيام الله