استقسم. نعم، إن استقسم فعل مزيد يقتضي سبق فِعل مجرد له، مثل استقر واستمسك، لكن عدم ذكرهم إياه يدل على أنه مُمات؛ ولذلك لم يذكروا القسوم مصدرًا. فتدبر في هذا، فإنه معضل. وعقدة الإشكال قوله:«وفعلت منه قسمت».
* * *
باب قوله تعالى:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}[المائدة: ١٠١]
فيه حديث ابن عباس [٦: ٦٨، ١٢]:
(كان قوم يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}[المائدة: ١٠١] حتى فرغ من الآية كلها).
قال الكوراني: إن قلت: الاستهزاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفر، فكيف صدرت الآية بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}[المائدة: ١٠١]، أو خوطبوا بناءً على ادعائهم الإيمان، كما تقول لمن يلحن في الإعراب ويزعم أنه نحوي:(يا نحوي لا تلحن). أهـ.
أقول: الحديث صريح في أن الآية نزلت بالمدينة؛ لأن في بعض رواياته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب خطبة، وإنما كان يخطب بالمدينة، ولذلك فالظاهر أن الذين كانوا يسألون، منهم من يسأل قاصدًا الاستهزاء وهم من المنافقين، ومنهم من يسأل على قصد الجد.
ففي رواية: أن حذافة سأل، فقال: من أبي؟ فأطلع الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - على قصد المستهزئين، وحذر المؤمنين من ذلك لقطع أصل السؤال.
وفي بعض رواياته عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من أن يقول:«سلوني» وهو على المنبر فأشفق أصحابه. قال أنس:«فجعلت لا ألتفت يمينًا ولا شمالاً إلا وجدت كلا لافًا رأسه في ثوبه يبكي، ثم قام عمر فقال: رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً عائدًا بالله من شر النفس».