وكان الناس فيهم فرقتين فريق يقول: اقتلهم، وفريق يقول: لا، فنزلت:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}[النساء: ٨٨].
يعني بأصحاب النبي من أظهروا الصحبة، وهم منافقون، وهم: عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه الذين انخزلوا يوم أحد ليدخلوا الوهن في المسلمين. ومعنى اختلافهم في قول فريق: اقتلهم، وقول فريق: لا تقتلهم، أنه الاختلاف في لازم ذلك، وهو تحقيق نفاقهم؛ لأن الذين قالوا: اقتلهم، أرادوا أنهم كفار أبطنوا الكفر. والذين قالوا: لا تقتلهم، أرادوا أنهم مسلمون، اغترارًا بظاهر حالهم. فمورد اللوم في قوله:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}[النساء: ٨٨] هو لازم القولين، أي ما كان ينبغي التردد في نفاقهم بعد أن ظهرت ظواهر الكفر عليهم حين انخزلوا بدون إذن الرسول. فمورد اللوم هو اللوم على سوء النظر والتوسم، وإلا فإن الإشارة بعدم القتل مع اعتقاد إسلامهم جرى على مقتضى الحكم الشرعي، فلا يُلام من أشار بذلك، إنما يلام على اغتراره بإسلامهم. فهذا تحقيق معنى الحديث.
* * *
باب {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}[النساء: ٩٣]
وقع فيه قول ابن عباس [٦: ٥٩، ١٢]:
أراد أنها محكمة، وأن الآيات التي فيها توبة قاتل النفس منسوخة أو مؤولة على الكفار، كما سيأتي في باب قوله:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ}[الفرقان: ٦٨] ونبينه هنالك.
ويجب تحرير هل النظر في هذه الآية بأن القاتل يتعلق به حقان: حق الله تعالى، وحق المقتول، فأما حق المقتول فلا تعمل فيه التوبة ولا يسقطه إلا إسقاط المقتول حقه وعفوه قبل موته.
وأما حق الله فهو عظيم وهو دون الكفر، وتشمله التوبة التي شملت الكفر، وهو أعظم الذنوب. فمراد ابن عباس يحتمل أنه خشي توهم الناس أن التوبة تسقط حق