للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأسماء الستة وإنما تعرب كذلك إذا أضيفت إلى غير ياء المتكلم. فالوجه أن يقول: من فيه إلى فمي.

وهذا الاستعمال الذي جاء هنا خاص بلفظ الفم من بين الأسماء الستة، فالعرب إذا أضافوه إلى ياء المتكلم ربما أبقوه في حال الجر على الإعراب بالياء النائبة عن الكسرة تطلبًا لحصول التخفيف بإدغام ياء الإعراب في ياء التكلم. قال الفرزدق:

على حلفة لا أشتم الدهر مسلمًا ... ولا خارجًا من في زور كلام

ومن كلام العرب: كلمته فاه إلى في؛ ولذلك لم يستعملوه مرفوعًا بالواو ومنصوبًا بالألف حال الإضافة إلى ياء المتكلم، فلم يقولوا: نطق فوي ولا فتحت فاي، فدلنا ذلك على أنهم ما قصدوا من الجمع بين الإضافة إلى ياء المتكلم وبين إعرابه إعراب الأسماء الستة إلا التخفيف في حالة الجر خاصة.

ومن أحسن مواقع هذا الاستعمال وقوعه في المزاوجة مع مثله المعرب بالحروف في نحو قولهم: كلمته فاه إلى في، فإن العرب تراعي المزاوجة في إخراج الكلمات عن موازينها المألوفة لأجل اقترانها بنظير في الوزن، كما ورد في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفد عبد القيس [١: ٣٢، ١٤]، [٨: ٥٠، ١٧]: «مرحبًا بالوفد غير خزايا ولا ندامى» فجمع (النادم) على (ندامى)، وإنما جمعه: ندم؛ لأجل مزاوجته مع قوله: خزايا. وكذا قول الشاعر:

هتاك أخبية ولاج أبوبه ... يخالط البر منه الجد واللينا

فجمع (بابا) على (أبوبه)، وإنما يجمع على (أبواب)؛ لأنه زاوج قوله: (أخبية)، ولذلك فمن أحسن استعمال الفم هذا الاستعمال وقوعه مع مماثل مجرور، كما ورد في قول أبي الدرداء: «من فيه إلى في» وقد أسكت النحاة عن بيان هذا الاستعمال. وزعم الرضي أن الياء الأولى في مثل هذا عوض عن الميم المحذوفة، وهو من تحكماته العارية عن الدليل، على أنه لم يعتذر عن حالتي الرفع والنصب.

* * *

[باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل]

وقع فيما حدث ابن عمر - رضي الله عنهم -[٥: ٥٠، ١٠]:

إن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين، فلقي عالمًا من

<<  <   >  >>