غريبة لا يوثق بصحتها لانفراد أبي أسامة بها دون جميع من روى خبر الإفك. وأبو أسامة وثقة أحمد بن حنبل. واحترز منه البخاري فلم يسند عنه هذا الحديث.
وهذه الجملة مشكلة فقوله:«فقلت» الظاهر أنها أرادت: فقلت في نفسي؛ لأنها ذكرت في هذا الحديث وغيره أنها لم تستطع الجواب، فقلت لأبي بكر: أجب رسول الله، وقالت لأم رومان أجيبي رسول الله. والمعنى: فقلت في نفسي متأسفة لعل هذه المرأة تذكر للناس شيئًا مما تسمعه ظانة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استيقن خبر الإفك.
وقولها:«ألا تستحي» خطاب لنفسها، لتحمل نفسها على الغضب، فتجيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث وجدت نفسها لا تستطيع الكلام. وقد يدل على صحة هذا التفسير قولها بعد ذلك:«وكنت أشد ما كنت غضبًا».
وقال الشارحون: الخطاب منها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي على سبيل العتاب تقول: ألا تترك الكلام في هذا بمسمع من امرأة أجنبية لعلها تذكر للناس شيئًا على حسب فهمها لا يليق ببراءة أهلك.
وعندي على هذا الاحتمال في الخطاب أن عائشة لصغر سنها قاست تصرفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تصرفات الناس في معتادهم؛ إذ يسكتون عن الحق بدافع الحياء أو توقع السمعة، وغاب عنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يستحي من الحق؛ لأن له في مثل هذه الحالة صفتين؛ صفة خاصة، وهي كونه زوجًا، وصفة عامة، وهي صفة الإرشاد والموعظة. وقد أمره الله أن يقول ما قاله؛ لأن في ذلك إظهار براءة عائشة - رضي الله عنه - بمبرات كثيرة، وما عليه أن تذكر المرأة الأنصارية ذلك أو لا تذكره، وقد كان كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك مقدمة لنزول الوحي ببراءة عائشة في ذلك المجلس. والله أعلم.
* * *
باب {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ}[الفرقان: ٦٨]
فيه قول سعيد بن جبير [٦: ١٣٨، ١١]:
«سألت ابن عباس - رضي الله عنه - عن قوله تعالى:{فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}[النساء: ٩٣] قال: لا توبة له».