أحدهما: أنه ذكر أنه أمرهم بأربع فلما عدَّ المأمورات عدَّ خَمْسَا.
وثانيهما: وجه الاقتصار في المنهيات عن الأواني المنتبذ فيها.
والذي يبدو لي في وجه دفع الإشكال الأول أن القوم كانوا قد آمنوا، فالإيمان حاصل لهم، فليسوا بمأمورين به، وإنما المأمور به مَن وراءهم الذين لم يؤمنوا بعدُ، فالأشياء المأمور بها هي ما عدا الإيمان؛ لأنها التي يشترك في الائتمار بها المخاطبون وغيرهم، وهي الأعمال التي قد يتهاون الناس في إقامتها، وهي: الصلاة، والصيام، والزكاة، وإعطاء خمس المغنم؛ فالابتداء بذكر الإيمان للاهتمام بأمره، إذ الأعمال فرع عنه، فهو كقوله تعالى:{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا}[البلد: ١٧]، بعد قوله:{فَكُّ رَقَبَةٍ}[البلد: ١٣] الآية.
وفي دفع الإشكال الثاني أنَّه جواب عن سؤالهم المحكي في الرواية بقوله:«وسَألوه عن الأشربة». ولعل من لطائف انحصار المنهيات منها في الأربع مقابلتها بالأربع المأمورات ليحصل في الكلام من التنظير ما يؤثر وعي الحفظ له.
واعلم أن الوجه أن يكون قوله:«وأقام الصلاة» مجروراً عطفًا على قوله: «أمَرهم بالإيمانِ بالله» وليس مرفوعًا على قوله: «شهادةُ أن لا إله إلا الله».
وهذا يخالف رأي البخاري إذ ترجم بقوله:«أداء الخُمُس من الإيمان». وإنما عدلت عنه إتباعًا لاستقامة نظم الحديث. على أننا لا نوافق البخاري في اعتبار الأعمال من الإيمان. وليس على ذلك رأي الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله.
* * *
[باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -]
«الدين النصيحة لله ولرسوله .... » إلخ [١: ٢٢، ٤]
نسب البخاري هذا القول إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولمن يثبته حديثًا؛ لأنه على غير شرطه، فكان الظاهر أن لا يجزم بنسبته إلى النبي؛ فلعلَّ البخاري ترجمه وبقي يتطلب الظفر بسند فيه على شرطه فلم يعثر عليه فبقي كذلك في الجامع.