وأثر ذلك أيضاً عن أبي حنيفة، فكان استدلال البخاري بقول الأنصار للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا نطلب ثمنه إلا إلى الله» إبطالاً لهذا القياس، فإنهم جعلوه بيعاً لله، وثمنه هو ثواب الله، وصرفوا ملكهم عن الموقوف إلى الله، فليس في قولهم ذلك شبه بالسائبة، وكان ذلك عقداً صحيحاً، فبطل قول أبي حنيفة: إنَّ الوقف باطل شرعاً.
ويترتب على البطلان عدم ترتب آثار العقد التي منها لزومه للواقف، فهو عندهم باطل غير لازم، خلافاً لمن تأول عن أبي حنيفة أنه عَنى عدم اللزوم لا البطلان الشرعي.
* * *
باب إذا وقف أرضاً ولم يبين الحدود فهو جائز
وقع فيه حديث مالك في تصدق أبي طلحة الأنصاري بيرحاء، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - له [٤: ١٣، ١٤]: «بخ ذلك مال رابخٌ».
وذكر البخاري اختلاف الرواة عن مالك في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رابح»، فروي بالباء الموحدة بعد الألف، وهي رواية عبد الله بن مسلمة عن مالك، وروي بالهمزة بعد الألف، وبعضهم عبر عنها بالياء، وهي رواية إسماعيل بن أبي أويس وعبد الله ابن يوسف ويحيى بن يحيى التميمي عن مالك [٤: ١٣، ١٧].
فأما رواية الباء الموحدة فلا خفاء فيها.
وأما رواية الهمزة فمعنى «رائح» من الرواح، أي الرجوع من المرعى، وضده الغدو، والمعنى تشبيه تلك الصدقة في ثواب صاحبها بالمال، أي الإبل التي تروح لصاحبها بعد الرعي، فيحلبها ويشرب هو وأهله من ألبانها.
وفي حديث أبي هريرة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -[٣: ٢١٦، ١٦]: «نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ».