العقول كان عذرهم منفيًا شرعًا؛ إذ ليس مجالاً للاجتهاد، ولو فرض أن إدراك هذا نظري فهم مأمورون بأن لا يقدموا على الامتثال حتى ينظروا؛ لأن معارض امتثال أمر أميرهم قائم واضح، والمجتهد مأمور بالبحث عن المعارض إن لم يكن ظاهرًا، بله المعارض الواضح، فلو دخلوا النار كانوا آثمين بترك النظر في المعارض حتى يتبين لهم إعماله على معارضه الآخر وهو أمر رسول الله الأهم لطاعة أميرهم، بحيث يخصص به عموم أحوال الأمر بالطاعة، أو يقيد به إطلاق الأمر، فيتبين لهم وجوب عصيان أميرهم فيما أمر به من المنكر.
وقول بعضهم:«فررنا إلى النبي من النار» توفيق جرى على لسانه، عصمهم الله به من الوقوع في هذا المحظور. وتقريره: أنهم آمنوا خوفًا من عذاب النار التي جعلها الله وعيدًا للكافرين، فلا يكون دخول النار مأمورًا شرعًا؛ إذ جنسه محذر منه.
وهذا من باب ما يسمى في أصول الفقه بالملائم، وقد اعتبروا جنس التحذير في جنس الاقتحام في النار، فقاسوا تحذير النهي على تحذير الوعيد، وقاسوا نار الدنيا على نار الآخرة.
وهذا الحديث من غرر الأدلة على وجوب الاجتهاد والنظر فيما يقدم عليه المسلم، وعلى ضابط طاعة الرعية لولاة أمورها، ومقدار مشاركتهم إياهم في أعمالهم إن أمسكوا عن الإنكار عليهم.
* * *
باب غزوة ذي الخلصة [٥: ٢٠٨، ١١]
ذو الخلصة صنم. والخلصة- بفتح الخاء المعجمة وفتح اللام- وهي واحدة الخلص: شجرة تشبه الكرم تتعلق بالأشجار وتعلو معها. ولورقها ريح عطرة، وتثمر حبًا مثل خرز العقيق. وسمي بها هذا الصنم؛ لأنه كان حجرًا فيه صورة هذه الشجرة، وكان صنمًا في بلاد اليمن في منازل خثعم وبجيله ودوس وجرم وزبيد على أربع مراحل من مكة إلى اليمن.
وقع فيه قوله عن جرير [٥: ٢٠٨، ١٢]: (كان بيت في الجاهلية يقال له: ذو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية).