ففيه حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -[٤: ٣، ١٢]:
«قُلت: يا رسول الله، أوصي بمالي كُله؟ قال: «لا» قلت: فالشطر؟ قال:«لا». قُلت: فالثلث؟ قال:«فالثلث والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» الخ)
جعل الفقهاء هذا الحديث أصلاً في الوصية الجائزة، وأفتوا بردِّ ما زاد على ثلث المال في الوصية.
وقد ذكر البخاري في الباب بعده قول ابن عباس [٤: ٣، ٢٠]: (لوْ غضَّ النَّاس إلى الربع؛ لأن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«الثلث والثلث كثير»). وهو استدلال مشكل؛ لأن حديث سعد خبر واحد، وليس يوجد غيره مما يدلُّ على تعميم التشريع في هذا الباب وإعلانه وردَّ ما زاد على الثلث.
وقد جرى ذلك بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سعد في حال استشارة، فهي قضية عين، فيحتمل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشار على سعد بالأفضل، ويحتمل أن ذلك كان لأجل افتقار ورثة سعد، كما هو صريح قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خَير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس»، فكانت الوصية بما يتجاوز ثلث المال إضراراً بهم. وقد قال الله تعالى لما ذكر الوصية في كتابه:{غَيْرَ مُضَارٍّ}، [النساء: ١٢] فيظهر أن ملاك جواز الوصية هو ما لا يضر بالورثة: من تركهم في حاجة، أو قصد حرمانهم وإبعادهم عن ماله، كما يفعله بعض المُغرضين؛ إلا أن ضبط ذلك ليس بالأمر السهل. فلعل عسر انضباطه هو الذي حمل العلماء على المصير إلى إشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع اعتبار المال في حالة المرض المخوف قد صار فيه حق الوارث، وسماح الوارث بحقه متفاوت بتفاوت سخاء النفوس. فلما كان المقدار الذي أشار به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سعد مقداراً جائزاً لا محالة في حالة فقر الوارث، كان محل وفاق بين العلماء، وكان الزائد عليه محتملاً ومتفاوتاً؛ فألغوا تفاوته وتفاوت أحوال الورثة لعسر الانضباط، وجعلوا باب إجازة الوارث مفتوحاً ليتحقق به مقدار سماح الوارث؛ ولذلك كان قول