إحداهما: أن حالها حال المستفتية لا حال المدعية؛ لأنها عرضت ذلك على الرسول حين أسلمت يوم الفتح، ولأن إحضار زوجها كان ممكناً فلا يقضي عليه وهو غائب.
الوجه الثاني: أنه على تسليم كونه قضاء، فإن قضاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو من جهة: قضاء بالنسبة إلى الخصمين، وهو تشريع بالنسبة إلى غيرهما ممن يساويهما في الوصف المؤثر، سواء جاء في خصومة أو مستفتياً.
ومما تبيَّن تعلم أن ليس لصاحب حق عند آخر منعه منه أن يعمد إلى أخذ حقه بنفسه بغصب أو خلسة؛ لأن ذلك ينافي المقصد الشرعي من إقامة القضاة والحكام ويؤول إلى التقاتل والتهارج، فلا تتجاوز الرخصة محل العذر، وهو عسر الرفع إلى القاضي، أو توقع ضرر من الخصومة هو أعظم من ضرر ترك الإنفاق.
فالمأخذ المنقول عن الشافعي من هذا الحديث بتسويغ أخذ صاحب الحق حقه خلسة أو غصْباً مأخذ ضعيف.
* * *
باب {وعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}[٧: ٨٦، ٨]
أي باب في بيان قوله تعالى:{وعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، وقد أخرج البخاري ما رآه من الآثار صالحاً لتأويل الآية، وهما حديث أم سلمة وحديث هند بنت عتبة.
وقوله [٧: ٨٦، ٨]: (وهل على المرأة منه شيء)، أي المرأة المرضع، فإنها تكون من جملة الوارث. والخطاب تعلق بالوارث لأجلها، فهل تكون هي من جملة المخاطب بإعطاء الرزق والكسوة، أي باعتبار حظها منهما يسقط ذلك الحظ عن بقية الورثة، أو هي لما كان الخطاب لأجلها لا تدخل في عموم الخطاب.
وهذه المسألة شبيهة بمسألة: هل الآمِر بالأمر بالشيء أمر للمأمور الأول بذلك الشيء، وينبغي أن تعنون بأن الآمِر بفعل متعلق بأحد، هل يكون آمِراً لذلك الأحد إذا شمله لفظ المأمور؟
وقد وقع تردد العلماء في تأويل قوله تعالى:{وعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فمنهم من جعله على معنى الندب، وشهد له حديث أم سلمة [٧: ٨٦، ١١] فإن لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم -