على أن ذكر هذه الأمور كلها لا يظهر، إلا أن كل واحد منها مقصود بالذم ومرفوع بالتوبة.
والذي دعا ابن عباس إلى هذا التأويل هو حمله آية قتل النفس التي في سورة النساء على ظاهرها، وجعلها أصلاً في عدم قبول توبة قاتل النفس فألجأه ذلك إلى تأويل ما يعارضها، وهو قول شاذ؛ إذ هو غير جار على إجماع المسلمين من قبول التوبة في سائر المعاصي.
وإذا كان ابن عباس يجعل التوبة التي في آية الفرقان مرادًا منها التوبة من الشرك، ويمنع أن تقبل التوبة من قتل النفس، لزم أن يكون الشرك أحسن حالاً من المعصية مع الإسلام؛ ولذلك أنكره مجاهد فقال:«إلا من ندم».
* * *
[باب إسلام سعيد بن زيد - رضي الله عنه -]
فيه قول سعيد بن زيد [٥: ٦٠، ١٢]:
(ولو أن أحدًا ارفض لما صنعتم بعثمان لكان محقوقًا أن يرفض).
أي لم يكن ارفضاضه، أي انقلاعه من مكانه واندكاكه عجبًا؛ لأنه حقيق به. ففي الكلام إيجاز، حيث ذكر علة الجواب وجعلها دليلاً عليه؛ إذ ليس جواب (لو) هنا هو كون أحد حقيقًا بأن يرفض، ضرورة أن شرط (لو) هو أنه ارفض فلا يكون جوابها أنه حقيق بأن يرفض؛ لأنه يقال: هو حقيق بكذا، أي: جدير بأن يقع فلا يكون فيما قد وقع، ألا ترى قول الأعشى:
وإن امرأ أسرى إليك ودونه ... من الأرض موماء وبيداء سملق
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته ... وأن تعلمي أن المعان موفق
ووقع في رواية أبي ذر الهروي الاقتصار على قوله:«لكان» دون قوله: «محقوقًا أن يرفض» فيكون من الحذف اقتصارًا بدون دليل، فيقدر بما يفرضه السامع لعظم المقام؛ أو أراد بالفعل الماضي الواقع شرطًا لـ (لو) معنى المستقبل على خلاف الشائع في (لو) بقرينة المقام كقول توبة بن الحمير:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... عليَّ ودوني جندل وصفائح