وظاهره أن المراد الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام لمقابلته بقوله: «أو جلس في أرضه»، وقد كانت الهجرة واجبة في أول ما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فالمقصود بيان أن ترك الهجرة لا يسلب الإيمان عن تاركها ولكنه يكون تاركًا واجبًا، فيكون بيانًا لقوله تعالى: {والَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن ولايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}.
وأما قوله عقبه: «فإن في الجنة» فإنه درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله فهو لتفصيل أحوال الهجرة فإن الجهاد من الهجرة لأنه سفر في سبيل الله، فيكون التصريح بأفضل أحوال الهجرة إشارة إلى أن دون ذلك مراتب كثيرة وهي المائة درجة.
ويجوز أن يكون المراد بقوله: «هاجر في سبيل الله» الجهاد، فعبر عنه بالهجرة بمعنى السفر، ويكون قوله عقبه: «أعدها الله للمجاهدين» بيانًا للمراد.
ووقع فيه قوله [١٥٣: ٩، ١٤]: (ثم قرأ «ذلك مستقرٌ لها» في قراءة عبد الله).
أي ثم قرأ الأعمش أو أبو معاوية عنه، وقراءته الآية قصد منها جعل الأثر تفسيرًا للآية، وهذا رأي من الراوي وليس توقيفًا من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
باب قوله تعالى: {وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (٢٢) إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)}
وقع فيه قوله [١٦٠: ٩، ٨]:
(«فتجعل في رقابهم الخواتيم»).
تمثيل لما هو متعارف في الدنيا؛ فقد كانوا يجعلون في رقاب أهل الذمة، علامة على أنه موفٍ بما عليه من الجزية، ويجعلون خواتيم في رقاب العبيد إذا عتقوا لكي لا يُتَّهَمُوا بالإبَاق، قال بشَّار:
عقد الحب لها في عنقي ... موضع الخاتم من أهل الذمم
فكانت هذه الخواتيم في الآخرة شرفًا لأهلها بشرف من أضيفوا إليه حيث يدعون عتقاء الرحمن.
وقريب من هذا المعنى قوله تعالى: {وكُلَّ إنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}.
ووقع فيه قوله [١٦٠: ٩، ١١]:
(«يحبس المؤمنون يوم القيامة حتَّى يهمُّوا بذلك»).