} وصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} فسوى بينهما فيما أمر به، وعلى هذا يكون مساق الحديث نظير مساق قوله تعالى في سورة لقمان: {ووَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلَى وهْنٍ وفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ {؛ إذ علل الوصاية بهما بذكر موجبات هي مختصة بالأم إيقاظاً للأبناء عن الغفلة عن جانب الأم؛ لأنه معرَّض للغفلة؛ وبذلك يتضح سر جمعهما في الوصاية بهما مع تخصيص للتعليل لما هو من شؤون الأم، ثم جمعهما في الأمر بالشكر لهما في قوله عقب التعليل: {أَنِ اشْكُرْ لِي ولِوَالِدَيْكَ {.
ومما يزيد هذا كشفاً أن برَّ الأم وبرَّ الأب لا يتعارضان غالباً، فالخشية إنما هي من الاشتغال ببرِّ أحدهما عن برِّ الآخر وهو الجانب الضعيف.
فأما إذا عرض تعارض بين حق الأبوية في البرِّ مثل أن يأمر أحد الأبوين ولده بعكس ما يأمره به الآخر، فهنا عليه أن يسعى في إرضائهما معاً أو التوفيق بين أمريهما، فإن أمكن له ذلك فذاك، وإلا فهو من تعارض الدليلين دون إمكان الجمع، فيجب الوقف. وعلى هذا جاء قول مالك للذي قال له: إن أبي في السودان كتب إليَّ أن أَقدِمَ عليه ومنعتني أمي، فقال له مالك: أطِع أباك ولا تعْصِ أمك، ذكره القرافي في الفرق الثالث والعشرين عن مختصر الجامع.
* * *
باب إجابة دعاء مَنْ بَرَّ والديه
وقع فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكيه [٨: ٣، ١٣]:
«اللَّهمَّ إنَّه كان لي والدان شيخانِ كبيرانِ».
كذا وقع في النسخ التي علق عليها الشارحون، ورأيت في نسخة صحيحة من صحيح البخاري «شيخين كبيرين» بالنصب على الحال بخط أبي علي الصدفي.