أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها»، فقال رجل: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشر، فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له (أي السائل): ما شأنك تكلم رسول الله ولا يكلمك فرأينا ينزل عليه ... ) الحديث.
ليس السائل بالذي يجهل أن الشيء النافع قد تتبعه مضار، ولكن مثار سؤاله هو قوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا» المتضمن أنه أراد: ما يفتح عليهم من البلاد والمغانم في جهادهم.
وبناء فعل «يفتح» للمجهول، إنما هو للعلم بفاعله وهو الله تعالى، فكأنه قال: ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا، فلذلك اتجه السؤال: كيف يكون ما يسره الله من الخير المحض سببًا في استجلاب الشر» فإنه شأنه أن يكون عطاءً إلهيًا ميمونًا، فقوله:«أيأتي الخير بالشر»؛ الياء فيه للتعدية وليست للسببية، أي أيجلب الخير الشر. وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جوابه أن الخير من شأنه أن لا يكون أثره إلا خيرًا، ولكنه إذا أسيء استعماله قد يعرض له الشر من إساءة استعماله لا من ذاته، فهو شر عارض للخير وليس مسببًا عن الخير؛ ولذلك قال [٢: ١٥٠، ٦]: «إنه لا يأتي الخير بالشر وإن مما ينبت الربيع يقتل حبطًا أو يلم .... ».
ثم بين أنه إذا عرض هذا الشر بسوء استعماله، فقد يمكن تدارك ما عرض من الشر، كما بينه بذلك المثل البديع.
وفيه تنبيه على أن الصدقات تكفر ما يعرض لصاحب المال من سوء استعماله والتقصير في شكره.
* * *
[باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر]
فيه حديث زينب بنت معاوية الثقفية زوج عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم -[٢: ١٥٠، ١٥]:
( ... وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، قال: فقالت لعبد الله: سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة؟ فقال (عبد الله): سلي أنت رسول الله، قالت: فانطلقت إلى رسول الله فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل