وقوله [١٣٠: ٨، ٣]: (ويقال للرَّجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردلٍ من إيمان).
صنيع البخاري هنا وفي كتاب الفتن [٦٦: ٩، ٣] يقتضي أنَّهُ يفسر الأمانة بما هو المتبادر من معناها لا بالأمانةِ الواقعة في قوله تعالى: {إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ والأَرْضِ} الآية. واستظهر الشارح أن المراد بها الإيمان واقتصر عليه في:«باب إذا بقي في حثالة من الناس» من كتاب الفتن؛ وإنما ألجأه إلى ذلك قوله في آخر الحديث:«وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان».
والأظهر أن تفسر بالمعنى المتبادر منها، ويكون قوله:«مثقال حبة خردل من إيمان» محمولًا على أنه مصدر آمنه إيمانًا، أي وما في قلبه شيء من خُلق الأمانة بحيث يقتضي إيمان الناس إياه، أو تحمل الأمانة على القدر المشترك الشامل للأمانِ والوفاء، جمعًا بين التبويب وبين كلام حذيفة في قوله:«وما أبالي أيَّكم بايعتُ»، وهو بنصب أيٍّ على نزع الخافض أو على تضمين «أبالي» معنى أحذر، والضمير في قوله:«أيَّكم» غير مراد به معيَّن وإنما المراد أي الناس.
وقوله:«إلا فلانًا وفلانًا» لم يُرد شخصين معينين سماهما أو لم يسمهما بل أراد الكناية عن المعروف باسمه وشخصه، أي لا أبايع إلا من أعرفه أمينًا؛ لأن الناس غلب عليهم الخيانة. فقوله:«فلانًا وفلانًا» هو لفظ حذيفة وليس إيهامًا من الراوي ناشئًا عن عدم تذكر الاسم، أو عن قصد ستره.
[باب (من أبواب الساعة)]
وقع فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -[١٣٢: ٨، ٧]:
«فلا يطعمه».
يقال: طَعِمَ الشيء، بمعنى ذاقه: قال تعالى: {ومَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإنَّهُ مِنِّي} وهو