أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا) إلخ.
أراد عمر أن يتجنب ما من شأنه أن يحمل عائشة على إجابة مطلبه مما يخالطه ضرب من الإلجاء يخالط طيب نفسها؛ إذ لعل ذكر الوصف بأمير المؤمنين يعرض بحق له على سائر المؤمنين في إجابة رغبته وفاء بحق الطاعة والبر، ثم زاد فقال:
«فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا»؛ أي لأنه صار غير قادر على أن يدير شؤون الأمة، فاختل منه شرط الإمارة اختلالاً لا يرجى عوده بعد.
ولعله قصد إبلاغ مقالته تلك إلى عائشة حتى يزيدها طوعًا في الجواب عما سأله منها؛ ولكن قد بقي له من حق إمارة المؤمنين ما يبقى للمشرف على الموت من الحق في الأمور كلها وهو حق الوصية. فعمر رأى أن الحالة التي بلغت به قد عطلت أن يدير أمور الأمة، وإنما بقي له حق الوصية في أمر الخلافة؛ ولذلك لما قيل له [٥: ٢١، ٨]:
«أوص ... استخلف» لم يقل لهم: إني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، ولكنه أوصى وأجمعت كلمة أهل العقد والحل على تنفيذ وصيته في ذلك.
* *
ووقع في ذلك الحديث قول عبد الرحمن بن عوف لعلي وعثمان [٥: ٢٢، ٥]: «أيكما يتبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه».
فالإشارة بقوله:«من هذا الأمر» إلى الخلافة.
والضمير في قوله فـ «نجعله» راجع إلى تعيين الخليفة، ففي الضمير استخدام قريب، والمعنى: أن الذي يتبرأ من الولاية، يعني أحد الرجلين الباقيين للخلافة.
والضمير في قوله:«أفتجعلونه إليّ» راجع لتعيين الخليفة تبعًا لضمير «فنجعله إليه»، والمعنى: أتجعلون التعيين إلي، أي أنه يعين أحدهما لظهور أنه لا يعين نفسه.
* * *
[باب مناقب عمار وحذيفة]
وقع فيه قول أبي الدرداء [٥: ٣١، ١٥]:
(والله لقد أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فيه إلى في).
فقد أضاف لفظ الفم إلى ياء المتكلم ومع ذلك أجراه على الإعراب بالياء إعراب