وفي هذا دليل على أن الأصل في كلام الرسول- عليه الصلاة والسلام- أنه حجة فيما يدلُّ عليه، وأنه لا يقول إلا حقًّا، ولو على سبيل الفرض والتقدير.
* * *
[باب الشروط في الجهاد]
وقع فيه قوله [٣: ٢٥٦، ٢]:
«فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك منَّا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا».
هكذا ثبت في رواية معمر عن الزهري، وإذا كان كذلك كتب سهيل فهي زلَّة سياسية غليه فيها الاستعمال الشائع من إطلاق الرجل على الإنسان مطلقاً مثل المرء؛ إلا أن مقامات التوثق في الشروط يجتنب فيها اللفظ الموهم، فإذا كان كذلك كان امتناع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ردِّ المؤمنات المهاجرات إلى المشركين غير ناقض لشروط العهد. وقد كان ذلك لسه لطفاً من الله بالمسلمين، فيكون قوله تعالى:{إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ}[الممتحنة: ١٠] بياناً للحالة التي لا يرجعن فيها إلى المشركين، وليس نسخاً لشرط الصلح؛ إذ النسخ لا يتعلق بشروط العدوِّ.
* * *
[باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا]
فيه قول ابن سيرين [٣: ٢٥٩، ١٣]:
(قال رجل لكريه أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه شيئًا طائعًا فهو عليه).
فقوله:«فقال شريح» عطف على مقدار معلوم من السياق، تقديره:«فتخاصما، فقال شريح»؛ لأن شريحاً كان قاضياً بالكوفة فقضى بما دلَّت عليه قضية قوله:«من شرط على نفسه شيئاً طائعاً فهو عليه»، أي فقضى على الرجل بدفع المائة الدرهم. وذكر مستند حكمه وهو أن يلزم الرجل ما ألزمه لنفسه. ففي الكلام إيجاز الحذف كقوله تعالى:{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}[الشعراء: ٦٣].